تشرف سنة عن الانتهاء ،نودع أحلاما لنستقبل احلاما ،و بينهما حقيقة لم يعد يمكن تجاهلها، وهي ان العمر يمر بتراكم السنوات . وقد يكون اهم شيئ في هذه المعادلة هو انك لازلت على قيد الحياة .
هناك معتقد ديني فيه كثير من التفسير لبقاء الإنسان على قيد الحياة ،مادام الموت ليس له عمر محدد ،وهو ان البقاء وإن كان يوجب الفناء ،إلا انه عربون رباني بان دورك في هذا الكون لم ينتهي ،وان بقاءك على قيد الحياة يعني انه لازال يرجى منك خير .
أما الاحلام فستكون بهذا المنطق أمرا ثانويا ،فلا يمكنك تحقيق احلامك وانت ميت ،وهذا معناه انك مادمت على قيد الحياة فعندك فرص أخرى لتحقيق احلامك .
والذي يسارع إلى تحقيق أحلامه بطرق غير مشروعة ،فهو ذلك الشخص الذي لا يثق في الغد او لا يثق حتى انه سيعيش في الغد . لذلك تجده مقتنعا ان حصنه المنيع وحصانته التي لا تسقط هي المال ،فيسعى إليه بكل الطرق لعل الدرهم الابيض ينفعه في اليوم الاسود .
لكن ما يثير الشفقة في جامع الأموال ومكدسها ،انه كلما إعتقد انه حقق الاشباع كلما زادت لهفته للمزيد .
وحين ياتي الليل ويضع رأسه على الوسادة لينام ،يطير نومه من كثرة تفكيره في مصير تلك الأموال بعد موته ،فتتحول أحلامه إلى كوابيس، و يقضته الى محنة تفكير .
السر في ذلك انه لم يعش بالمال بل عاش بحثا عن المال ، فالمرء يمكنه العيش بقليل ،كما يمكنه العيش بالكثير ،و تبقى فرص العيش واحدة ،لكنها مختلفة باختلاف توفر الامكانيات ،وتلك الامكانيات تعوضها القناعة و الصبر و التقوى ، ولكن السعي اليها وانت غير مسلح بما سبق يدفعك دفعات للوصول اليها بطرق غير مشروعة ،وإذا لم تضبط وتسجن و تسلب منك تلك الحياة بامكانياتها ،فإنها تسجن تفكيرك و تسلب منك نومك وترمي بك في بحر الهواجس والكوابيس .
لذلك فإن نومك ليلة ،و فياقك في اليوم الموالي الذي يصادف رأس السنة ،فهو امر لا يتكرر في السنة الا مرة ،لكن نومك واستيقاضك يحدث كل يوم وهو العلامة الوحيدة التي تؤكد انك لا زلت على قيد الحياة .
فالمستيقض على سرير قصر او ضيعة او فندق خمس نجوم لا يختلف عن من استيقض على الرصيف او في كوخ حقير ، لان البقاء هنا على قيد الحياة أعمق دلالة من المكان . واثاث المكان لا يحدد طبيعة الاحلام اثناء النوم ،لكنه مؤكد يلقي بظلاله على احلام اليقضة .
من كل هذا ، واصلوا امنياتكم لتحقيق احلامكم ،فمادام لا زال في العمر بقية ،فإن رأس سنة لا يختلف عن أخرى ،لكننا نحن من يختلف حسب ما راكمناه في بحر السنة قبل أن يرمي بنا إلى يابسة العمر .
واصلوا حياتكم ،فلا زلتم على قيدها لأن خيرا يرجى منكم ورسالة ينتظر منكم الانتهاء منها ،
واصلوا تجويد امكانياتكم من اجل عيش كريم ،لكن حاولوا ماستطعتم ان تجنبوا انفسهم لقمة الحرام ،و اكل مال الغير بدون حق ،لانكم ستحولون عيشكم الى ضنك و بؤس .
الرضى بما قسم الله لك ،والثقة في المستقبل الذي علمه عند علام الغيوب ،و رزقه عند الرزاق المعطي الجواد الكريم ، و ان تكون فيه ،فذلك لحكمة يعلمها العليم الخبير ، وإن رحلت عنها فذاك قدره يعلم خباياه .
لكن لا ترحلوا قبل أن تتركوا اثرا طيبا تذكرون به ،وعملا صالحا تترحمون عليه ،ودينا و عملا صالحا يكون جواز سفركم للجنة ،ذلك السفر الذي لا عودة بعده .
فهل تعتبرون ؟