فن الحلقة بالمغرب بين عمق الموروث الشعبي و آفاق التثمين
تغطية أشغال لقاء فكري: سمير السباعي
تشكل الحلقة مساحة أصيلة في تراثنا الشعبي الذي ساهم في جعل الإنسان المغربي يعانق الفعل الثقافي داخل الفضاءات المفتوحة فرجة وممارسة عبر سرديات حضر فيها المعطى الشفهي بقوة. وحقيقة فالاحتفاء بهذا الجزء من تراثنا الامادي هو في جانب منه يشكل مناسبة لاستنطاق التجربة التاريخية للحلقة كفرجة شعبية كان و لا يزال لها حضور في الذاكرة والوجدان الجمعي للمغاربة، بما في ذلك البحث عن السبل الكفيلة بتثمين هذا الرصيد التراثي على صعيد مشاريع التنمية بمفهومها الشمولي. ضمن هذا السياق نظمت مقاطعة الحي المحمدي بالدار البيضاء و بتنسيق مع جمعية نوستالجيا الحي المحمدي للثقافة والابتكار الدورة الأولى لمهرجان الحلقة الوطني –دورة الحكواتي الراحل بالفقيه- في الفترة ما بين 19 و 21 يوليوز 2024 تحت شعار الحلقة ..تراث لامادي ..أصالة و استمرار. .ويبدو أن الرهان كان منصبا على استثمار الحمولة التاريخية للحي المحمدي كفضاء احتضنت ساحاته الشعبية على مدى عقود من الزمن أشكال فرجوية لها علاقة مباشرة بالحلقة. صحيح أن المهرجان عرف تنظيم عروض فرجوية بساحة بشار الخير بنفس الحي المذكور قدمها عدد من الحكواتيين والحلايقية من أبناء الحي أو القادمين من جغرافيات ثقافية متنوعة ببلادنا، وهو ما وثقت له العديد من المنابر الإعلامية بالصوت والصورة. إلا أننا اخترنا من خلال هذه المادة الصحفية المكتوبة التفاعل مع لقاء فكري احتضنته الخزانة البلدية بنفس الحي يوم 21 يوليوز 2024 على الساعة الخامسة عصرا على هامش المهرجان المنظم حيث شكل هذا الموعد الفكري مناسبة لتعميق النقاش حول الرمزية التاريخية للحلقة في بعدها القيمي مع رصد ممكنات تثمينها كإرث شعبي مغربي ، حيث يمكن هنا رصد ثلاثة محاور شكلت أرضية حركت أشغال هذا الماستر كلاس الفكري. أولا، الحديث عن رمزية و حضور الحلقة في مخيال سرديات الثقافة العربية بمتونها التراثية الشهيرة كمقامات بديع الزمان الهمذاني خاصة المقامة الدينارية أو نصوص الأزلية و ألف ليلة وليلة بل وحتى في النصوص الشعرية العربية القديمة كأشعار الصعاليك و أصحاب النقائض أمثال الفرزدق حيث برزت الحلقة هنا داخل هذه المتون كفضاء و بؤرة لتوليد حورايات و محكيات سردية امتزج فيها الخيال بعناصر من الواقع، و حضر فيها بالأساس التهكم و المدح و الهزل ضمن منطقي غرائبي، بشكل يؤكد بعدا يبدو أنه مغيب بعض الشيء حاليا في الأدبيات التي تتناول فن الحلقة ألى وهو حضور هذه الأخيرة بمفهومها الأدبي المولد للسرد داخل التجربة الثقافية العربية.( تفاعلا مع مداخلة الناقد و الكاتب حسن نرايس). أما المحور الثاني الذي بدا أنه حرك النقاش خلال هذا اللقاء فهو الحديث عن فضائية الحلقة بمفهومه المكاني و دور هذا الأخير في إنتاج أنواع من الفرجات الشعبية داخل هذه الحلقة او تلك التي فرضت على الحلايقي التمرس على الحكي المباشر و إشراك الجمهور المتحلق في لعبة الفرجة المنجزة بشكل عفوي عبر لحظة زمنية تعطي الانطباع أنها ممتدة و غير نهائية داخل فضاء عرض دائري يوحي، بعمق حضور شكل الدائرة في ثقافتنا العربية بمفهومها الخلدوني السياسي و حتى المعماري داخل الفضاء المشترك. و لتعبر الحلقة و محكياتها الشعبية والفرجوية كذلك حسب أحاديث هذا النقاش عن العمق البدوي لانتمائنا الجمعي المغربي داخل المجال التاريخي لبلادنا بروافده الحضارية المتعددة التي جعلت هويتنا الجمعية كلا واحدا متكاملا غير قابل للتجزيء حيث تظهر هنا ثقافتنا الشعبية بما فيها أساسا الحلقة عنصرا مهما في هذه الهوية الجمعية خاصة و أنها اختارت عبر سردياتها الشفهية المجهولة المصدر الانتصار لهوامش الشعبي والمسكوت هنه و مخاطبة عبر الفضاءات و الساحات المفتوحة في البوادي والحواضر دواخل الإنسان المغربي الشعبي البدوي في عمقه الثقافي بعيدا عن خطابية الثقافة العالمة التي تنتجها المؤسسات الرسمية و الشبه رسمية داخل المجتمع بمفهومها المعرفي المغلق.(تفاعلا مع جزء من مداخلة الأستاذ الجامعي الحبيب النصيري و حسن نرايس). أما المحور الثالث و الأخير لهذه الحوارية الفكرية فانصب بالأساس على رصد ممكنات تثمين الحلقة كتراث لامادي ببلادنا و توظيف هذا النوع من الفرجات الشعبية داخل مشروع ثقافي يخدم تحصين هويتنا الجمعية وخصوصياتنا الحضارية بالأساس من مدخل تربوي تعليمي، يضمن إدراج بعض تلك المتون التراثية الخاصة بالحلقة لتكون نصوصا وظيفية بحمولة تعليمية أو داخل أنشطة للحياة المدرسية، تحقق ما تمت تسميته بتلقيح ال أجيال الصاعدة في ببلادنا ضد مظاهر العنف و التطرف خصوصا أن منطق العولمة اليوم بفرض هذا الانتباه لمخزوننا الثقافي الوطني و المحلي كأرضية لتأكيد هويتنا المغربية (تفاعلا مع جزء من مداخلتي النصيري و لوغشيت). ويبقى المهم أيضا أن الانتباه للحلقة كممارسة تراثية بالمغرب هو مدخل ثقافي يمكن استثماره لنشر سرديات جديدة مؤطرة تربويا تمتح من ذاكرة الوجدان الجمعي القيمي و الحضاري المغربي، و تسمح لجزء كبير من ناشئة اليوم التي تعيش تحت سلطة الرقمي الإلكتروني من معانقة الفعل الثقافي الحي والمباشر.