ما أعلنه وزير التجهيز و الماء في بحر هذا الأسبوع خطير للغاية بخصوص الأمن المائي للبلاد حيت أكد أن المخزون الاستراتيجي من الماء تراجع بشكل كبير مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، ما أكده السيد الوزير يدعو للقلق إذ انخفضت نسبة ملئ السدود من ٪31 إلى ٪23 مع تسجيل ارتفاع في درجة الحرارة طيلة فصل الخريف ما نتج عنه تبخر في المياه السطحية و بالتالي نقص في الموارد المائية التي تقدر بما مجموعه 18 مليار متر مكعب مياه سطحية و ٪20 منها مياه جوفية.
توالي سنوات الجفاف للسنة السادسة على التوالي و ارتفاع في درجة الحرارة في سنة 2022 لمستويات قياسية منذ 40 عام بسبب التغيرات المناخية هذا إلى جانب الطلب المتزايد على الماء الشروب الناتج عن النمو السكاني المتسارع، كذلك غياب الحكامة في بعض الأنشطة الزراعية المسؤولة عن محاصيل البطيخ و الأفوكادو التي تستهلك سنويا اكتر من 15 مليون متر مكعب اغلبها من المياه الباطنية و كذا تعرض مياه السقي في بعض المناطق إلى الهدر بفعل تقادم قنوات الري و التسرب الجوفي. كل هذه العوامل أدت إلى انخفاض حصة الفرد من الماء في المغرب إلى أقل من 650 متر مكعب سنويا و من المتوقع أن تنخفض هذه الحصة لأقل من 500 متر مكعب بعد عام 2030 إن لم يرتفع المخزون المائي إلى النسب الوفيرة.
الماء حق دستوري للمواطنين لأنه مادة حيوية للكائن البشري لذلك فالدولة تضع ضمن اولوياتها تأمين وصول الماء الشروب لكل المواطنين في الوسطين الحضري والقروي و وضعت أرضية قانونية و مؤسساتية تسهر على التوزيع العادل للماء بتوفير وسائل لوجستية و تقنية للعمل المستمر في مراقبة الجودة و التوزيع، فقد تم تخصيص غلاف مالي قدره 143 مليار درهم لبرنامج مكافحة آثار الجفاف و من أبرز ما جاء في البرنامج هو الربط بين الأحواض المائية و بناء محطات تحلية مياه البحر(9محطات في الخدمة)، لكن بالرغم من هذه الإجراءات الإستباقية يبقى الجزء الكبير من الحل في يد المواطن الذي لحدود الساعة لم يستشعر خطورة تدني مستوى المخزون الاستراتيجي المائي بسبب تأقلمه مع دوام السيولة و ارتفاع الصبيب و وصول الماء الى جوف بيته ليل نهار دون استحضار القيمة النوعية و الجهد المبذول لإيصاله و غياب تقافة ترشيد الإستهلاك بصفة عامة عند الصغار و الكبار و هذا ملحوظ عند اغلب الفئات الإجتماعية اللهم تلك المتواجدة في العالم القروي خصوصا الوسط الجبلي الذين يحسنون تدبير استهلاكم للماء بسبب بعد الموارد المائية و نذرتها، ما نراه في الوسط الحضري من أشكال تبذير الماء يؤلم العقل و القلب لذلك وجب علينا جميعنا ان نغير سلوكنا اتجاه الماء و أن نتعلم ثقافة الإستهلاك المعقلن لأن العقلية التي تعيٌر كل شيء بمعيار مادي لن ينفعها هذا الفكر مع نذرة المياه فحتى التفكير في استيراد الماء من الخارج مكلف اكثر من تكلفة تحلية مياه البحر و التحلية نفسها مكلفة جدا للطاقة الكهربائية و بالتالي استهلاك الوقود بشكل كبير لتشغيل المولدات الكهربائية و الفاتورة المالية لاشك أنها ضخمة و مثقلة لكاهل ميزانية الدولة التي بدورها ستسقطها على المستهلك الذي هو المواطن المغربي إذن هي دائرة تبدأ من المواطن و تنتهي إليه.
من زاوية المقارنة الكمية فمجال الزراعة يأخد القسط الأكبر من المخزون المائي بنسبة ٪87، و المردودية المنتظرة مقابل هذه النسبة هي انتاج اكثر – تصدير اكثر- دخول العملة الصعبة اكثر، لكن هذه المعادلة التي اشتغل عليها بعض السياسيين المتحكمين في القطاع يغيب عنها عاملان مهمان و هما العقلنة في الإستهلاك المائي و الحكامة في الإنتاج الزراعي، هذا النشاط الاقتصادي استنزف المخزون السطحي و الجوفي للماء بسبب غياب رؤية واضحة بعيدة الأمد و ضعف في قراءة الإحتملات الطبيعية و تغليب الفكر المالي على الأمن المائي.
ما أراه مناسبا للتعامل مع الوضع المائي الراهن هو تعميم ثقافة ترشيد الإستهلاك لدى المواطن و التفكير في توفير ميزانيات لتسريع وتيرة بناء محطات التحلية، دون ان ننسى العودة إلى المزروعات الغير المستهلكة للماء .
فإذا استمر الوضع بهذا الشكل سننتقل من الإجهاد المائي إلى نذرة المياه و هو ما لا نرجوه بتاتا لبلدنا العزيز.