الصبيانية اليسارية حين تنسى البوصلة: الصحراء بين شعارات مستوردة وذاكرة وطنية مخدوعة

في الوقت الذي تنبعث فيه رائحة البارود من شرق أوكرانيا إلى غزة، وفي زمن يتهاوى فيه خطاب “الحق الدولي” أمام صواريخ الواقع، لا يزال بعض من يُحسبون أنفسهم على الطيف اليساري في المغرب يرفعون شعار معادية في قضية الصحراء المغربية وكأنها مزايدة في السوق السياسي، لا مسألة وطنية لها امتداد تاريخي، طبقي، وثوري.
من هؤلاء عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي تحوّل من الدفاع عن الضحايا إلى الدفاع عن أطروحات تقف ضد السيادة الوطنية، متكئًا على خطاب “الحياد الحقوقي”، وكأن الحياد يُمارس عندما تكون السيادة على المحك.
أما حزب النهج الديمقراطي، الذي يعلن انتماءه للماركسية اللينينية، فقد انحرف عن جوهر الفكر الذي يدّعيه. فهو لا يتعامل مع الماركسية كمنهج علمي لتحليل الواقع، بل يقتات عليها كإرث لغوي رمزي يزيّن به بياناته. أين الصراع الطبقي؟ أين التحليل المادي للتاريخ؟ أين موقف لينين من الحركات الانفصالية المدعومة من قوى إمبريالية؟ بل أين قول لينين الشهير: “لا تقرير مصير للرجعيين، ولا حق انفصال للمنخرطين في مشروع الإمبريالية”؟النهج لا يُمارس التحليل بل الشعارات.
لم نره يومًا يُدين قمع المخيمات داخل تندوف، أو تسلط البوليساريو على المحتجزين، ولا موقفه من التجنيد القسري للأطفال. كل شيء يُغلف بكلمات مثل “حق الشعوب”، بينما يُنسى الشعب المغربي في معادلة الحق. بل إن الحزب أضحى، من حيث لا يدري، صوتًا مكررًا للدعاية الجزائرية والانفصالية، وهو أمر لا يليق بحزب يزعم الانتماء إلى تقاليد «23 مارس» الثورية.
وهنا نعود إلى الوثيقة التاريخية التي أصدرتها منظمة 23 مارس في يناير 1976، والتي كانت أوضح من كل بيانات النهج مجتمعًا. جاء فيها:> “نحن نعتبر الصحراء جزءًا من التراب الوطني المغربي، ومن واجب الثوريين المغاربة الدفاع عن هذا الجزء من الوطن ضد كل محاولة إمبريالية أو انفصالية تهدف إلى تفتيته.”هذه ليست كلمات مهادنة من طرف اعتى المنظمات اليسارية والذي لايمكن لأي مراهق في السياسة المزايدة عليها ، بل موقف ثوري من تنظيم خبر دهاليز السياسة من الإتحاد السوفياتي في عز قوته، لا من المنصات الحقوقية.
منظمة 23 مارس كانت تعلم أن الوحدة الوطنية ليست نقيضًا للنضال، بل شرطه. وأن النضال من أجل التحرر الطبقي لا يستقيم فوق رمال الانفصال.
فالماركسي الذي يُحلل، يعلم أن فصل الصحراء عن المغرب هو استكمال لمشروع التقسيم الاستعماري، وليس تحررًا، ولا تقريرًا، بل تدبيرًا خارجيًا مقنعًا بقناع “الحق”.
أما اليوم، فالنهج يُردد ما تقوله عصابة البوليساريو دون نقد أو فرز، وكأن الفارق بين الفكر الثوري والدعاية الحزبية الانفصالية قد تلاشى. لا وجود لوعي طبقي، ولا سياق استعماري، ولا حتى قراءة لأرشيف اليسار المغربي.
فقط بيان صحفي، ونداء مظاهرة، وتكرار محفوظات لا روح فيها.في النهاية، لا تُقاس الجذرية بإطالة اللحى الأيديولوجية، بل بمدى إخلاصها للواقع.
ومن يُدافع عن “حق” يُسهم في تمزيق وطنه، لا يختلف كثيرًا عن الرجعية التي يقول إنه يقاومها. بل لعله أسوأ، لأنه يبيع التاريخ بلغة التاريخ نفسه، ويطعن الوطن باسم الوطن.وإذا كان البعض قد نسي الوثيقة، فنُذكره بها: الصحراء مغربية، وكان هذا موقف الثوار قبل أن يصبح موضة المنتفعين.
كان في زمن لايصل فيه الرفيق إلى الرفيق إلا شهيدا أو سجين وليس في زمن حزب السعادة والوفاء في فنادق خمس نجوم تحت شعار حرية المرأة والويسكي فوق الطاولة واسترتجية جمع المساعدة من أحزاب ومنظمات يسارية في أوروبا وكوبا ونكاراكوامن أجل تدعيم ألوان قوز قزح في زاوية عبد السلام يسين وسياسة مد اليد للسيدة ديهيا بن عصيدة في إطار خلطها وطفي الضو ماتعرف السارق من مول الدار