مراكش – الخبرية
في توقيت دولي يتسم بالاضطراب الجيوسياسي وتطور أنماط الإجرام، لم يعد اجتماع قادة الشرطة عبر العالم مجرد تقليد سنوي، بل ضرورة ملحة لإعادة رسم خرائط المواجهة. من هنا، تكتسي الدورة الثالثة والتسعون للجمعية العامة للإنتربول، التي انطلقت فعالياتها بمراكش، طابعاً استثنائياً يتجاوز “الحدث البروتوكولي” ليلامس جوهر “الأمن الوجودي” للدول.
تحديات أمنية بـ”خوارزميات” معقدة
ما يميز دورة مراكش هو طبيعة الملفات المطروحة، التي تؤكد أن الجريمة التقليدية باتت جزءاً من الماضي. النقاشات التي تدور خلف الأبواب المغلقة وفي الجلسات العلنية تتمحور حول “الذكاء الاصطناعي” سلاحاً ذو حدين؛ فبينما تسعى أجهزة الشرطة لتطويعه في الرصد والتحليل الجنائي، تسبقها المنظمات الإجرامية لاستخدامه في التزييف العميق (Deepfakes)، وقرصنة الأنظمة المالية، وتشفير أنشطتها غير المشروعة.
إن رهان الوفود المشاركة، التي تمثل 196 دولة، هو الخروج ببروتوكولات موحدة لمواجهة ما يسمى بـ “الجرائم الهجينة”، حيث يمتزج الإرهاب بالجريمة المنظمة، وتتلاشى الحدود بين العالم الافتراضي والواقع الميداني.
الاعتراف الدولي بالنموذج المغربي
استضافة المملكة لهذا الحدث الضخم، الذي يعتبر “الكونغرس العالمي للشرطة”، هو إقرار ضمني بنجاعة المقاربة المغربية في تدبير المخاطر. فالمغرب لم يكتفِ بتحصين حدوده، بل نجح في تطوير منظومة استخباراتية وجنائية مشهود لها بالكفاءة (DGSN و DGST)، قادرة على استباق التهديدات وتفكيكها في المهد.
التقارير الدولية تشير إلى أن الخبرة المغربية في مكافحة الإرهاب وتفكيك الخلايا النائمة باتت مرجعاً، وهو ما يجعل من “إعلان مراكش” المرتقب وثيقة ذات ثقل استراتيجي، خاصة في ظل الدور المحوري للمغرب كجسر أمني يربط بين القارة الأوروبية والعمق الأفريقي الذي يشهد توترات متصاعدة في منطقة الساحل والصحراء.
خارطة طريق لشرطة المستقبل
الأنظار تتجه صوب القرارات التنفيذية التي ستصدر عن الجمعية العامة. المتوقع أن تشهد هذه الدورة المصادقة على آليات جديدة لتبادل البيانات البيومترية بشكل فوري، وتعزيز قواعد بيانات الإنتربول (I-24/7) لتصبح أكثر مرونة في تعقب المطلوبين دولياً.
إن رسالة مراكش للعالم اليوم واضحة: “لا مكان آمناً للمجرمين”. ففي ظل عولمة الجريمة، لا بديل عن عولمة الردع، وتحديث الترسانة القانونية والتقنية لأجهزة الشرطة لتكون دائماً خطوة إلى الأمام، وليس رد فعل متأخراً.
