بقلم: محمد حارص – مدير نشر المجموعة الإعلامية صفرو بريس
لا شك أن المشهد السياسي المغربي يعيش اليوم على وقع لحظة فارقة، قد تحدد ملامح مستقبل العمل الحزبي والسياسي لسنوات قادمة. فبعد خروج شباب “جيل زد” إلى الشارع في احتجاجات سلمية عبّرت بوضوح عن عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها جزء واسع من المغاربة، وجدت المعارضة نفسها أمام امتحان حقيقي، بل أمام محك تاريخي سيُظهر مدى قدرتها على استثمار هذا الزخم الشعبي في اتجاه إصلاح المشهد السياسي، أو على الأقل إعادة الثقة المفقودة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة.
الخرجات الأخيرة لعدد من الأحزاب المصطفة في صفوف المعارضة كانت واضحة في تقييمها لأداء الحكومة، إذ أقرت، ولو بشكل غير مباشر، أن الحكومة الحالية لم تكن موفقة لا في قراراتها ولا في تواصلها، خصوصاً في تعاطيها مع المطالب الاجتماعية للشباب. فقد فشلت في تحسين أوضاع الصحة والتعليم والتشغيل، وهي القطاعات التي تشكل جوهر المطالب الشعبية. لكن هذه المواقف، رغم قوتها الخطابية، تبقى دون أثر ملموس ما لم تترجم إلى خطوات سياسية جريئة، وفي مقدمتها تقديم ملتمس رقابة ضد حكومة أخنوش.
قبل سنة من الآن، كانت المعارضة قد لوّحت بإمكانية تقديم هذا الملتمس، غير أن الأمر أُجهض تحت مبررات مختلفة، بعضها سياسي وبعضها تنظيمي، وكأن الهدف كان فقط تسجيل موقف إعلامي دون نية حقيقية في إسقاط الحكومة أو محاسبتها. واليوم، بعد أن بلغ السيل الزبى وخرج الشباب إلى الشوارع في رسالة غير مسبوقة، يبدو أن الوقت قد حان لتتحمل المعارضة مسؤوليتها التاريخية، وتبرهن أنها ليست مجرد متفرج في لعبة السياسة، بل فاعل قادر على تغيير موازين القوى داخل المؤسسات.
إن فشل المعارضة في اتخاذ خطوة عملية، مثل تفعيل ملتمس الرقابة، سيكون بمثابة ضياع لفرصة نادرة لاستعادة الثقة الشعبية، خصوصاً من فئة الشباب التي تشعر أن الأحزاب جميعها فقدت البوصلة. في المقابل، فإن جرأة المعارضة على التقدم بهذا الملتمس اليوم، حتى وإن لم يحظَ بالأغلبية العددية الكافية داخل البرلمان، ستشكل رسالة قوية مفادها أن هناك من يحس بنبض الشارع، وأن هناك من يملك الشجاعة لمساءلة الحكومة التي لم تفِ بوعودها.
إن شباب جيل زد، بما أبداه من وعي وجرأة في التعبير عن مطالبه، يحتاج إلى إشارات سياسية ملموسة، لا إلى شعارات فضفاضة. وتبقى المعارضة اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تصنع التاريخ وتعيد الثقة في العمل الحزبي والمؤسساتي، أو أن تترك الفراغ يتسع أكثر، بما يفتح الباب أمام مزيد من العزوف والتذمر وفقدان الأمل في التغيير.
كل الأنظار تتجه إذن إلى الدخول البرلماني القادم يوم الجمعة، الذي قد يكون نقطة تحول حقيقية في مسار الحياة السياسية المغربية. فإما أن تتحرك المعارضة لتعيد رسم المشهد، أو تكتفي بمقاعد المتفرجين في مسرح يغلي بالاحتقان الشعبي.
وفي النهاية، يمكن القول إن الكرة اليوم في ملعب المعارضة: فإما أن تكون في مستوى اللحظة التاريخية، أو أن تفوّت على نفسها وعلى المغرب فرصة ثمينة لاستعادة التوازن السياسي والثقة الشعبية المفقودة.