الملتقى الدولي للورد العطري بقلعة مكونة 2025 : رهان اقتصادي وثقافي برائحة الورد

تعيش مدينة قلعة مكونة، بإقليم تنغير، خلال شهر ماي 2025، على إيقاع فعاليات النسخة الستين من الملتقى الدولي للورد العطري، الذي يعد من أبرز التظاهرات الفلاحية والاقتصادية والثقافية بالمملكة، لما يحمله من رمزية بيئية وتراثية واجتماعية تعكس غنى المنطقة وتنوعها المجالي. ويُعد هذا الحدث مناسبة سنوية تهدف إلى تثمين سلسلة الورد العطري، وإبراز دورها المحوري في تحقيق التنمية المحلية المستدامة، وهو ما ينسجم مع التوجهات الوطنية الكبرى، خاصة استراتيجية الجيل الأخضر.

وقد نُظم هذا الملتقى، الممتد من 5 إلى 8 ماي الجاري، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بشراكة بين وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ومجلس جهة درعة تافيلالت، والمجلس الإقليمي لتنغير، والغرفة الفلاحية الجهوية، إضافة إلى عدد من الفاعلين المؤسسيين والمهنيين.

وحمل شعار هذه الدورة: «سلسلة الورد العطري: رافعة للتنمية المستدامة في إطار استراتيجية الجيل الأخضر»، مما يبرز ارتباط هذا القطاع الحيوي بمقاربات التنمية المجالية والإدماج الاجتماعي.

وقد شهد حفل الافتتاح حضور شخصيات وازنة، في مقدمتهم السيد أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الذي ترأس الحدث الرسمي، إلى جانب السيد عامل إقليم تنغير، والسيد أهرو أبرو رئيس مجلس جهة درعة تافيلالت، ورئيس الفيدرالية البيمهنية المغربية للورد العطري، وعدد من المنتخبين وأطر الوزارة والمسؤولين المحليين والجهويين.

كما شارك في الفعاليات السيد احماد أيت باها، النائب الأول لرئيس الجهة، إلى جانب عدد من أعضاء المجلس وممثلي الإقليم.وفي هذا السياق، قام الوفد الرسمي بزيارات ميدانية لعدد من المشاريع الفلاحية النموذجية في الجهة، شملت ضيعات لإنتاج الورد العطري ووحدات لتقطيره، كما تم تقديم حصيلة الإنجازات في ما يخص تنمية سلسلة الورد واقتصاد المياه، في إطار تنزيل المخطط الفلاحي الجهوي المنبثق عن استراتيجية الجيل الأخضر. وعلى هامش المعرض، تم توزيع جوائز تقديرية على بعض الفاعلين المحليين، بالإضافة إلى توقيع اتفاقيات مهمة تخص التنمية المجالية لإقليمي تنغير وورززات، ما يعكس البعد الاستراتيجي لهذا الحدث.

وتؤكد الأرقام أن قلعة مكونة تعد مركزًا وطنيًا رائدًا في إنتاج الورد العطري، إذ تفوق المساحات المزروعة 800 هكتار، ويُقدّر الإنتاج السنوي ما بين 3,000 و4,000 طن. كما تُساهم هذه السلسلة الفلاحية في خلق آلاف مناصب الشغل، خاصة في صفوف النساء القرويات، إذ تنشط أزيد من 50 تعاونية نسائية في مجالات التقطير والصناعة التحويلية، ما يجعل من قطاع الورد العطري رافعة حقيقية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني.

وقد عرفت دورة هذه السنة تنظيم معرض دولي ضم فاعلين وطنيين ودوليين في مجال النباتات العطرية، إضافة إلى ندوات علمية همّت مواضيع الابتكار الفلاحي، والتقنيات المستدامة، وتسويق المنتجات المحلية عبر الوسائط الرقمية. كما استفاد الفلاحون والتعاونيات من ورشات تطبيقية حول التقطير والتعبئة والولوج إلى الأسواق، مما عزز قدراتهم التقنية والمعرفية.

ومن جهة أخرى، خصص الملتقى مساحة واسعة للاحتفاء بالثقافة المحلية، من خلال عروض فنية وفولكلورية، ومسابقات، أبرزها اختيار “ملكة الورد”، التي ترمز إلى جمال المنطقة وتراثها النسوي.

كما تم تمكين التعاونيات النسائية من فضاءات العرض والتسويق، إلى جانب تنظيم دورات تكوينية في مجالات ريادة الأعمال، والتدبير المالي، والتسويق الإلكتروني، في إطار تمكين المرأة القروية وإدماجها في الدينامية الاقتصادية الجهوية.

وخلصت أشغال هذه الدورة إلى عدد من التوصيات، أبرزها ضرورة الإسراع بإحداث قطب صناعي جهوي مخصص للورد العطري، وتعزيز البحث العلمي في مجال النباتات الطبية والعطرية، وإنشاء علامة جودة “ورد قلعة مكونة” لتثمين المنتوج المغربي وتعزيز حضوره في الأسواق الدولية، فضلًا عن ترشيد استعمال الموارد الطبيعية، خاصة الماء، في ظل التحديات المناخية المتزايدة.

وهكذا، يتبين أن ملتقى الورد العطري بقلعة مكونة قد تجاوز طابعه الاحتفالي، ليصبح منصة اقتصادية واستراتيجية تجمع بين الفلاحة المستدامة، التمكين المجتمعي، والترويج المجالي، مما يؤكد مكانة هذه التظاهرة كأحد أعمدة التنمية المجالية بجهة درعة تافيلالت، وواجهة دولية تبرز قدرة المغرب على الاستثمار في مؤهلاته الطبيعية والبشرية من أجل تنمية شاملة ومتوازنة.

تقرير مبعوث صفرو بريس : امحمد بن عبد السلام

Exit mobile version