لقاء فكري بالرباط ونقاش حول العمق الحضاري والدبلوماسي للرحلة السفارية المغربية خلال العصر الحديث
قلم: سمير السباعي
تعتبر مقاربة الممارسة الدبلوماسية المغربية من زاوية تاريخية مدخلا مهما لتشكيل فهم موضوعي أكثر لطبيعة الفعل الدبلوماسي المغربي في تاريخيته خصوصا اذا ارتبط الأمر بمناقشة عدد من الرحلات السفارية التي مثلت لحظة تواصل حضاري بين الأنا المغربية و الاخر الأوروبي. و قد دفع هذا الأمر عدد من الباحثات والباحثين المغاربة في التاريخ خاصة منه الحديث الى التوجه نحو الاشتغال على عدد من المتون الرحلية التي خلفها هذا الدبلوماسي المغربي أو ذاك على شكل نصوص تقريرية بعد القيام بماموريته السفارية لصالح الدولة المغربية أو المخزن كما يسمى في الاصطلاح التاريخي، خلال فترات تاريخية كان فيها المغرب الرسمي يحاول من خلال بوابة الفعل الدبلوماسي تدبير تأثير مناخات دولية أرخت بظلالها على صعيد مشهد العلاقات الحضارية التي نسجها المغاربة في تجربتهم التاريخية الممتدة مع عدد من الفضاءات الدولية خاصة في أوروبا. ضمن هذا السياق وفي اطار هذا التوثيق الاعلامي الذي يسعى الى التفاعل من جديد مع الندوات الفكرية التي تجعل من الدرس التاريخي منطلقا و موضوعا للنقاش، نقدم هذه الورقة الاعلامية التي قمنا بتركيبها اعتمادا على المادة التوثيقية المصورة والمسموعة التي مدها بنا مشكورا الطالب الباحث محسن بكاري و المتعلقة باللقاء الفكري الذي نظمته أكاديمية المملكة المغربية بشراكة مع المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب و مركز جاك بارك للبحث في العلوم الانسانية والاجتماعية يومه الخميس 07 مارس 2024 على الساعة العاشرة صباحا بفضاء هذا الأخير. و هو الموعد الثقافي الذي حرصت من خلاله الدكتورة الأستاذة مليكة الزهيدي على مناقشة موضوع “الرحلة السفارية كمصدر للتواصل الدبلوماسي والحضاري بين المغرب ومحيطه في العصر الحديث” وسط ثلة من الباحثين والمهتمين المنتمين الى مشارب بحثية متنوعة. صحيح أن هذه الورقة الصحفية ستركز أساسا على التفاعل مع جاء في عرض الباحثة الزهيدي انسجاما مع طبيعة المحاور الكبرى التي نطقت بها نسبيا مداخلة الأستاذة العارضة بحس بيداغوجي تربوي وهو ما يساعد أكثر على التناغم اعلاميا مع ما طرح من أفكار بحثية، الا أن هذا لن يمنعنا من مواكبة بعض ما خلفه عرض الزهيدي من نقاش علمي و فكري بين صفوف حضور الجلسة العلمية.
في هذا الاطار نسجل أن الدكتورة ليلى مزيان مسيرة هذه الندوة العلمية الى جانب ممثل المركز المذكور قد أكدا عبر مداخلتين افتتاحيتين لهما بشكل عام على أهمية هذا العرض الفكري للباحثة الزهيدي كقيمة نوعية منتظرة ان صح القول ليس فقط لان هذه الأخيرة من الباحثات المغربية المتخصصات في ما له علاقة بتاريخية الدملوماسية المغربية خلال العصر الحديث من مبحث مدخلي رئيسي وهو أدب الرحلة، و انما أيضا تناغما مع رغبة المنظمين في الكشف عن العمق التاريخي للممارسة الدبلوماسية المغربية و دورها في تحقيق التواصل الحضاري بين ضفتي الحوض المتوسطي. حيث تمت الاشارة بالمناسبة الى المشروع البحثي الأكاديمي الذي تنخرط فيه الزهيدي و منذ سنوات و الذي يروم الكشف عن جوانب مهمة من التاريخ الدبلوماسي المغربي خلال العصر الحديث اعتمادا أساسا على مناقشة المتون الرحلية التي خلفتها عدد من الرحلات السفارية المغربية خاصة التي تمت في أوروبا، مع ما عرفه هذا المسار من عقد الباحثة لشراكات تعاون مع عدد من الباحثين والجامعات بباقي بلدان المغارب وعدد من البلدان الأوروبية، قصد مناقشة الموضوع من زوايا نظر متعددة طالما أنه يعبر في عمقه عن تاريخ من التواصل الحضاري بين ضفتي المتوسط. و قد اختارت ذ.مليكة الزهيدي في بداية عرضها المركزي التأكيد على أن مثل هذه اللقاءات الفكرية تسمح للأساتذة الباحثين بالتعريف أكثر بمعالم رئيسية ليست متعلقة بالممارسة العلمية الأكاديمية وانما أيضا بجوانب سردية ذات بعد انساني تسمح بالتعريف ببعض المحطات من المسار التعليمي و المهني للأستاذ(ة) الباحث(ة) نفسه، بما يؤسس لقنوات اتصال أكثر حيوية مع الجمهور المتلقي. تناغما مع منطوق هذا المدخل أكدت الزهيدي على أن محدودية حضور العنصر النسوي في الجامعة المغربية اللواتي كن معدودات العدد، أمثال اسية بنعدادة وحليمة فرحات داخل هيات التدريس والبحث ابان دراستها كطالبة في عدد من الكليات بأرض الوطن، حفزها أكثر لركوب مغامرة الدراسة في شعبة التاريخ و الانتماء للبحث التاريخي قصد المساهمة في كسر هذا الشبه غياب للمرأة المغربية داخل المشهد البحثي المغربي. و قد بدت نصوص الرحلات و خاصة منها السفارية المنجزة ابان فترات من العصر الحديث المغربي أرضية تساؤلات معرفية جذبت أكثر انتباه الزهيدي. و هو ما التي جعل نفس الباحثة تدشن من خلالها مشروعا بحثيا لمناقشة عدد من قضايا التاريخ الدبلوماسي المغربي اعتمادا كما قلنا على المتن الرحلي السفاري الذي أنتج ككتابة تقريرية خلال بعض السفارات المغربية التاريخية نحو الخارج و هو ما يظهر واضحا في الأطروحة الجامعية التي أنجزت من خلالها الدكتورة الزهيدي نفسها تحقيقا و دراسة للمتن الرحلي السفاري للسفير محمد بن عثمان المكناسي المنجز نهاية القرن 18 ميلادي و الموسوم بعنوان” البدر السافر لهداية المسافر الى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر ” ضمن نسق عام عملت من خلاله الزهيدي على فهم أعمق لحدود التواصل الحضاري الممكنة التي دشنها المغرب مع الاخر الأوروبي على وجه الخصوص حسب ما يستشف من مداخلة نفس المتحدثة. ولم يفت هذه الأخيرة الاشارة الى ان اختيار العصر الحديث كموضوع زمني للبحث والدراسة طرح عمليا مجموعة من التحديات أساسها ندرة المادة المصدرية المغربية القادرة على تقديم اضاءات وثاءقية تخدم المشروع البحثي الذي اختارته الزهيدي، مقارنة مع الحقبتين الوسيطية والمعاصرة التي تحضر فيها نسبيا وفرة في المعطيات المصدرية والوثاءق ذات الصلة بجوانب مهمة من تاريخ المغرب حسب مايستخلص من كلام نفس الأستاذة. في المقابل و حسب الزهيدي دائما فان اهتمام اغلب الباحثين المغاربة بالحقبة الحديثة أساسا القرون 16 و17 و 18 ميلادية قد انصب على قضايا القرصنة البحرية داخل الفضاء البحري المغربي و ماطرحته من مواضيع للبحث و النقاش الى جانب نزوع البعض الاخر الى خوض تجربة تحقيق بعض المتون التراثية المصدرية الى جانب بعض الدراسات القليلة التي حاول أصحابها الاشتغال على مواضيع ذات صلة بتاريخية الفعل الدبلوماسي الرسمي المغربي، علما أن طرق مثل هذه المباحث يتطلب حسب نفس المتدخلة فهما شموليا لعدد من السياقات والمعطيات التاريخية الدولية والبحث بشكل واضح عن العدة المصدرية الخادمة لمثل هذا النوع من الأبحاث. وهو ما أكدته الزهيدي حينما صرحت بأن المادة الوثاءقية الرئيسية التي اعتمدتها في تركيب وانجاز اطروحتها البحثية السالفة الذكر لم يكن بالامكان الحصول عليها الا من خلال أرشيفات جزيرة مالطة المتوسطية و مدينة نابولي الفرنسية رغبة في الامساك أكثر بمعطيات الموضوع وسياقاته الموضوعية ان صح التعبير. وبغض النظر عن مايطرحه العصر الحديث المغربي من اشكالات منهجية على مستوى التحقيب الزمن ( البداية من حدث سقوط سبتة في القرن 15م أو ما بعده وصولا الى القرن 18م) فان الأستاذة العارضة أكدت أن السياق الدولي الذي عاش في ظله المغرب خلال هذه الفترة الزمنية خصوصا على مستوى المنعطفات الكبرى التي شهدها حوض البحر المتوسط ببروز النهضة الأوروبية و ظهور العثمانيين كقوة متوسطية استطاعت مد نفوذها حتى الحدود الشرقية للبلاد المغربية ( ايالة الجزائر العثمانية) قد كان له تأثير واضح على المشهد المغربي و على قدرة المغاربة رسميا وشعبيا في تدبير عدد من العلاقات الخارجية التي حركها منطق شبه وحيد هو دفاع عدد من الدول عن مصالحها ورغبتها في كسب مجالات نفوذ داخل البلاد المغربية بكل الوسائل الدبلوماسية والتجارية وحتى بالضغوط العسكرية. الأمر الذي أفرز حسب نفس الأستاذة أشكالا من ردود الفعل و أنماط من التدبير المخزني -ان صح القول- مع هذا المناخ الدولي سواء من خلال حرص بعض السلاطين المغاربة على تحرير ما تبقى من الثغور البحرية المغربية من الأجانب خاصة في عهد السلطان المولى اسماعيل(1672-1727م) أو من خلال مزاوجة البعض الاخر بين الضغط العسكري( تجربة حصار مليلية سنة 1774م) و العمل الدبلوماسي كما هو الشأن في تجربة السلطان سيدي محمد بن عبد الله(1757-1790م) حيث برزت الرحلات السفارية المغربية عند هذا الأخير كسياسة مخزنية مفضلة لتدبير علاقات المغرب مع عدد من الأطراف الدولية خاصة منها اسبانيا بحثا عن مداخل حضارية لتحقيق الصلح والمهادنة والتقارب مع الاخر والتي افرزت زخما دبلوماسيا أنتج توقيع المعاهدة التاريخية للصداقة بين المغرب والاسبان في ثمانينات القرن 18م. وقد أوضحت الزهيدي في معرض مداخلتها أن الوقوف على عدد من الرحلات السفارية المغربية خلال هذه الحقبة خصوصا ابان فترة سيدي محمد بن عبد الله و بعض متونها المكتوبة التي كتبها السفير المبعوث أو أحد المشاركين في الوفد السفاري المرافق له يجعلنا نقف على ثلاتة قضايا كانت المحرك الرئيسي للرحلة السفارية ككل، وهي القرصنة البحرية ( الجهاد البحري في اصطلاح الأنا المغربية) المنبعثة من الساحل المغربي و الضفة الأوروبية الى جانب مشكلة الأسرى المغاربة و باقي المسلمين القابعين في السجون الأوروبية و أيضا مناقشة و تأطير عدد من الاتفاقات التجارية مع عدة أطراف دولية التي انسجمت ورغبة السلطان المذكور الانفتاح بشكل أكبر على البحر كفضاء اقتصادي مربح بعد تراجع عائدات تجارة القوافل الصحراوية. و يبدو أن المتون الرحلية وخاصة منها ذات النفس السفاري التي سبقت الاشارة اليها قد حظيت باهتمام واضح من طرف الباحثة مليكة الزهيدي التي أكدت أثناء هذه الفسحة الفكرية و انسجاما مع قراءات أكاديمية حول نفس الموضوع لبعض الأعلام أمثال الأستاذ عبد المجيد القدوري على أن البحث التاريخي، وجد نفسه مدعوا الى التقاطع والانفتاح على عدد من المتون النصية الأخرى مثل النوازل الفقهية و التراجم الصوفية قصد رصد اشارات تهم تاريخ بلادنا خاصة في شقه الاجتماعي. وهنا طرح السؤال من طرف الباحثة الزهيدي حول قدرة النص الرحلي السفاري على أن يظهر كمصدر موثوق يمكن اعتماده في البحث التاريخي بشكل عام والتاريخ الدبلوماسي بشكل خاص؟ و حري بالذكر أن التجربة البحثية الأكاديمية التي خاضتها نفس المتحدثة من خلال دراسة وتحقيق المخطوط السالف الذكر قد أكدت قوة هذا النوع من المتون نسبيا بطبيعة الحال في تقديم الاضاءات التاريخية الكاشفة لعدد من المعطيات والسياقات شريطة أن يكون البحث مبنيا على قواعد علمية صارمة فيما يخص تحقيق المخطوطات التراثية المعنية حسب افادة الزهيدي. خصوصا اذا علمنا حسب نفس الباحثة أن المتن الرحلي حتى وان شكل تجربة كتابية غير مكتملة المعالم كنص تقريري يقوم من خلاله السفير الرحالة تدوين معطيات عن رحلته السفارية فانه يمنح الباحث في التاريخ المغربي خاصة الحديث منه هوامش لملىء عدد من البياضات البحثية التي لا تسعف الأسطغرافيا التقليدية في اضاءتها بالشكل الكافي. و في اشارة إحصائية اعتبرت الزهيدي أنه ورغم العدد الكثير نسبيا للسفارات الدبلوماسية التي بعث بها المغرب خلال العصر الحديث نحو أوروبا فان ما استطعنا الحصول عليه هو ستة أو سبعة نصوص رحلية خمسة منها كتبت بعد رحلات سفارية نحو القارة الأوروبية، و هي متون اضطلع هذا السفير المغربي نفسه أو ذاك أو أحد مرافقيه حينها بكتابتها كمحاولة لتوثيق محطات السفر الدبلوماسي و أهداف المامورية و ارهاصات التفاوض داخل بلدان أخرى تختلف ثقافيا و تاريخيا عن الشخصية المغربية-ان صح التعبير- مع احتفاظ كاتب الرحلة بحقه في عدم التصريح و البوح بأسرار خاصة خلال مقامه الدبلوماسي خارج البلاد حسب ما يستنبط من مداخلة الزهيدي. ويبقى المعطى الأساسي الذي أكدت عليه هذه الأخيرة، هو أن النص الرحلي السفاري وان بدا متنا غنيا من ناحية المعطيات الا أنه لا يمكن أن يشكل بديلا بالنسبة للباحثين عن الأرشيف المتعارف عليه و الواجب التحصل عليه والبحث فيه و نعني هنا الوثاءق الدبلوماسية الأصيلة المصدر و التي تشكل احدى الركائز لسبر أغوار التاريخ الدبلوماسي للمغرب، علما أن الاستئناس ببعض الدراسات المؤسسة لهذا النوع من البحوث في بلادنا من قبيل “السفارة والسفراء بالمغرب عبر التاريخ” لصاحبه عبد العزيز بنعبد الله يشكل تأطيرا مهما في هذا الباب. علما أن هذه المتون السفارية المغربية التي تمت خلال العصر الحديث تعطينا معلومات تفصيلية مهمة حسب الزهيدي حول قضايا خلافية عمل المخزن على تدبيرها مع الطرف الاوروبي خصوصا مسألة الأسر والأسرى بين الجانبين خاصة في ظل نزوع سيدي محمد بن عبد الله الواضح نحو حسم هذه القضية و انهاءها ما أمكن بما ينسجم و التعاليم الدينية المشجعة على افتكاك أسرى المسلمين مغاربة أو أجانب والروح الانسانية لنفس السلطان خصوصا أن فكر الأنوار الأوروبي حينها المنتصر لحقوق الانسان و قيمة الحرية كان سياقا تاريخيا محفزا. وهي قضية بغض النظر عن المعطيات التي جاءت بها النصوص الرحلية سواء فيما يتعلق بوصف عمليات التبادل والتفاوض و المقابل المالي للافتكاك و ما رافق ذلك من معيقات قانونية و تمايز في الأعراف الدبلوماسية الموجهة، فانها منحت حسب نفس المتدخلة ما نسميه مصداقية لتلك الرحلات و أعطت لتلك النصوص السفارية فرصة الحصول على المقروئية المبتغاة داخل العالم الاسلامي نظرا لأن طبيعة و هدف المهمة الدبلوماسية هناك في أوروبا “كدار للحرب” في ذهنية الأنا كان بالأساس فك أسر المسلمين، الذين اعتبروا في لحظات تفاوض عديدة ورقة ضغط مغربية حاول من خلالها المخزن المركزي تقريب وجهات النظر و بناء جسور من التواصل مع الضفة الشمالية للحوض المتوسطي عبر توجه انفتاحي واضح حسب ما يستشف من متن نفس المداخلة. ويبقى التواصل الحضاري أحد الأبعاد الرئيسية التي أكدت الباحثة صاحبة هذا العرض الفكري على أن الاشتغال على النصوص الرحلية السفارية يجعلنا قادرين على رصدها بشكل كبير على اعتبار أن اتصال هذا السفير أو ذاك كذات مغربية جعله يخترق ثقافيا عالما مغايرا عن البيئة الثقافية و المرجعية الأم و هي الاخر الأوروبي بما أنتج تعبيرات نصية كثيرة داخل تلك المتون عبر من خلالها المتلقي المغربي ( الدبلوماسي) عن مساحات كبيرة من الدهشة و هو يرصد أمورا لها علاقة جوانب ثقافية واجتماعية و تقنية اقتصادية هناك في أوروبا تم اعتباها من ” ما يسحر العقول ويلهب الألباب” حسب احدى تلك النصوص. و ما يؤكد هذا البعد الحضاري والرغبة في فهم الاخر حسب الزهيدي أن اغلب تلك المتون ان لم نقل جلها قد تم كتابتها بأمر من السلطان المغربي بشكل عكس رغبة المخزن حينها في فهم و استبيان التجربة الحضارية الأوروبية من الداخل بما خدم نسبيا رصد تلك المسافة الحضارية و أوجه الاختلاف بين الأنا والاخر. حتى وان كانت عمليات تحرير المشاهدات تلك و تدوينها في المتون المعروفة من طرف الرحالة المغاربة الدبلوماسيين قد خضعت لمنطق الإنتقالية في عملية الرصد أو تأثرت بضغوط التكليف المخزني نفسه و ضرورة كتابة المتن بأسلوب تقريري قصد تسليمه الى المخزن المركزي أو بظروف الاستقبال هناك في الدول الأوروبية التي كانت هي من تحدد مسار التنقل الدبلوماسي للمغاربة و وجهته على أراضيها. المهم أن هذه النصوص منحتنا حسب ما استخلصناه من حديث نفس الأستاذة معلومات عن نظرة المغربي حول ما كانت تعيشه اوروبا خلال العصر الحديث من تجربة حضارية و تقدم على عدة أصعدة صناعية واقتصادية الى جانب أنماط الفنون و العمران المنتشرة في مدنها من موسيقى و اهتمام بالفضاءات الخضراء وتعبيد الطرق الى جانب أخرى ظل اعتبارها في منظور الأنا الناقلة أمورا من الترف الدنيوي؟!. علما أن الزهيدي قد حرصت ضمن مستوى اخر من النقاش على ضرورة الانتباه الى التمايز بين النصوص السفارية التي دونها دبلوماسيون مغاربة الى أوروبا بين حقبتين أي ما قبل وما بعد هزيمة المغرب في ايسلي شرق البلاد سنة 1844م أمام الجيش الفرنسي في لحظة اصطدام حضاري مع الاخر. حيث كانت الأنا المغربية خلال الحقبة الأولى لا زالت تنطق بنوع من ما نسميه نحن بالاعتزاز التاريخي الذي ظل يمنحه لها انتصار أو ملحمة وادي المخازن 1578م و للذات الفردية والجمعية للمغاربة ككل، و بين الحقبة الثانية حين أعلن الانهزام عن تأخر مغربي حضاري واضح عن الاخر الأوروبي نطقت به أغلب المتون السفارية المغربية خلال هذه الفترة . و قد فتح العرض الرئيسي للزهيدي الباب لتفاعلات بعض الجمهور الحاضر الذي فضل من مداخل متعددة نقاش ما جاء في مداخلة ضيفة هذا اللقاء الفكري، وانسجاما مع حدود هذا المقال التفاعلي على صفحات الجريدة فنكتفي بالاشارة الى بعضها بشكل عام حيث اهم ما يمكن تسجيله هنا، هو ما صرح به البعض بخصوص محدودية المتن الرحلي السفاري كنص وثاءقي ممكن حتى وان كان زخم عنوان المتن يوحي بالعكس، الى جانب ما جاء في تدخل اخر من أن تضخم الأنا المغربية الساردة قد أعاق بشكل واضح القدرة على الالتقاط والرصد الموضوعي لما كان يجري هناك في التجربة الحضارية الأوروبية على وجه الخصوص. مع اشارة بيداغوجية حرصت من خلالها ليلى مزيان منسقة اللقاء التأكيد على أهمية تملك الباحث لعدة منهجية مساعدة على الاستغال على مثل هذه المواضيع خاصة على مستوى الالمام باللغات الأجنبية بما يسمح بالاشتغال على أرشيفات أجنبية غنية بالوثائق الدبلوماسية المساعدة على فهم وسبر أغوار عدد من الرحلات السفارية المغربية. ولم يفت الأستاذة مليكة الزهيدي بدورها التأكيد في الأخير على أن التقاطع مع العلوم المساعدة كفيل بما نسميه نحن بعملية انجاح هذا النوع من البحوث خصوصا أن اكراهات عديدة تظل مطروحة خاصة أن عددا من تلك المتون السفارية يظل محدود العدد على مستوى النسخ المتوفرة نفسها وهو ما يؤكد على ضرورة انفتاح الباحثين على أنواع أخرى من الوثاءق قصد الاستغال بشكل شمولي وأعمق ان صح فهمنا لما جاء في المداخلة.