بوواكي وبنجرير : مدينتان أفريقيتان تضعان نموذجاً رائداً للتعلّم مدى الحياة والتنمية المستدامة

تتصدّر مدينتا بوواكي في ساحل العاج وبنجرير في المغرب مشهد التعلّم مدى الحياة في القارة الأفريقية، بعد اختيارهما ضمن الفائزين العشرة عالميًا في جوائز المدن التعليمية لليونسكو لعام 2024. ويأتي هذا التتويج ثمرة جهود متواصلة لتعزيز بيئات تعليمية شاملة، تسمح لجميع الأفراد، بغضّ النظر عن العمر أو الوضع الاجتماعي، بالحصول على فرص تعلّم مرنة وشاملة تتنوع بين التعليم الأساسي، والتكوين المهني، وتعزيز المهارات، ومحو الأمية، بل وحتى الأنشطة الثقافية والرياضية والمجتمعية.

نحو تنمية مستدامة ومشاركة مجتمعية
يتمحور مفهوم التعلّم مدى الحياة في هاتين المدينتين حول تمكين الأفراد، ودعم اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي، وتحفيز مشاركتهم الفاعلة في مجتمعاتهم. هذه الرؤية الشمولية ترتكز على شراكات وطنية ودولية، ولجان تنسيق محلية تضم الجهات الرسمية والجامعات ومختلف الفاعلين التعليميين. في بوواكي ، أسهمت هذه الشراكات في خلق منظومة متكاملة تعزّز المعرفة والمهارات، فيما أرست بنجرير لجنة توجيهية تحت إشراف المحافظ لتنسيق الجهود بين السلطات المحلية والهيئات التعليمية والفئات المستفيدة.

تمكين المرأة ومحو الأمية
يحتل تمكين المرأة مكانة جوهرية في استراتيجيات المدينتين. فقد خصصت بوواكي صندوقاً يمنح نحو 450 امرأة قروضاً صغيرة لتعزيز استقلالهن الاقتصادي، علاوة على برامج تكوين مهني ترفع من فرصهن في سوق العمل. وفي بنجرير، تدعم مبادرات محو الأمية النساء وتضمن دمجهن في الحياة العامة، ما يرسّخ مبدأ المساواة ويثري النسيج الاجتماعي.

تعليم أخضر وشامل
تربط المدينتان بين التعليم والتنمية المستدامة عبر دعم الاقتصاد الأخضر. في بوواكي ، تلقّى 500 شاب تكويناً في مجالات الزراعة الحضرية المستدامة والاقتصاد الدائري، فيما دعم مشروع “بوواكي مدينة مستدامة” 600 شاب منهم 40% نساء في مجالات مهنية صديقة للبيئة. وفي بنجرير، أسهم مشروع التنقّل الكهربائي “POGO” في خفض 90 طناً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ما يؤكد التزام المدينة بالاستدامة.

كما تضمنتا إجراءات لضمان إدماج الجميع، إذ نجحت بنجرير في إدماج 100% من الأطفال غير الناطقين في المدارس، وأوجدت “مدرسة الفرصة الثانية” التي مكّنت 359 من المنقطعين عن التعليم من العودة لاكتساب مهارات مهنية.

تمويل متنوع واستثمار في المستقبل
أدركت كل من بوواكي وبنجرير أهمية توفير التمويل المستدام لتنفيذ برامج التعلّم. فرفعت بنجرير ميزانيتها المخصّصة للتعلّم مدى الحياة بنسبة 164% في عام 2024، بينما استفادت بوواكي من شراكات مع الاتحاد الأوروبي لتوفير تمويل سنوي مخصّص لمبادرات الأحياء في مجالات التعليم والتنمية المستدامة. كما استقطبت المدينتان استثمارات القطاعين الخاص والمجتمع المدني، مما وسّع قاعدة الدعم المالي وضمن استمرارية هذه المبادرات.

مشاركة المواطنين وبناء المستقبل
تسعى المدينتان إلى ترسيخ ثقافة المشاركة المجتمعية من خلال تحويل الأماكن العامة إلى فضاءات تعلّم بين الأجيال، وعقد ورش عمل توعوية رقمية وبيئية، وتعزيز ريادة الأعمال المحلية. وترمي كل من بوواكي وبنجرير إلى مزيد من التوسّع في المستقبل عبر التركيز على المهن الخضراء، ودعم الفئات المهمّشة، وتقديم منح وفرص تعليمية لفائدة الشباب والنساء.

نموذج يحتذى به
تبرز تجربة بوواكي وبنجرير كدليل على أنّ الاستثمار في التعلّم مدى الحياة، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي، والتنمية البيئية المستدامة، يمكن أن يُحدث تحوّلاً إيجابياً في المجتمعات الحضرية. إن نجاحهما لا يقتصر على رفع مستويات التعليم، بل يوفّر مثالاً حيّاً لكيفية بناء مدن معرفية شاملة، قادرة على التكيّف مع التحديات، وتحويلها إلى فرص تنموية يستفيد منها الجميع.

Exit mobile version