الصحفي: أيمن جرفي.
لعل أغلبنا مؤمن بالدور المهم لحفظ القران، ولعلنا نتمنا بأن يكون لنا القدرة على ذلك، فالقران الكريم أكثر من كونه كتابا دينيا فهو أسلوب حياة ونهج للعيش، فإعجاز هذا الكتاب لم يتوقف عند لغته وفصاحته، بل اعجازه أيضا في قدرته على التأثير على الأفراد سواء كان التأثير ظاهرا أو باطنا.
ويجدر التنويه على أن المغرب عرف دين الإسلام أول مرة في مطلع سنة 680م على يد عقبة ابن نافع، ولكن ورغم دخول الإسلام للمغرب لم يكن أغلب المواطنين أنداك مسلمين بل تفرقوا بين مسلمين ومسيحيين ويهود ووثنيين، إلى غاية سنة 788م وهي السنة التي عرفت قيام أول دولة اسلامية بالمغرب، وهي الدولة الإدريسية بقيادة المولى “ادريس ابن عبد الله” الذي قام حكمه ولأول مرة على التشريع الإسلامي.
توالت الأعوام والسنين وتوالت الممالك التي تحكم المغرب، دولة بعد دولة باختلاف أصولها وأنسابها، إلى أن الرابط بينها هو رغبتها في توحيد الوطن تحت راية الإسلام ونشر التوحيد في كل بقاع البلاد. وكان من أهم ما تقوم عليه الدول الحاكمة هو نشرها لتعاليم الدين، وتعليم الناس أمور دينهم هذا ما أسهم في بروز ما سمي بالمجالس العلمية، لتنبثق منها فيما بعد دور تعليم القران سواء التي تقوم بتحفيظ الأطفال كتاب الله، أو تقديم دروس ومحاضرات دينية لطلبة العلم.
اختلفت الأزمان وبقي المسيد على ما هو عليه، ولكنه لم يكتفي بدوره التعليمي فقط، بل تعددت مهامه لتشمل أيضا المجال السياسي فكان له الدور المهم في تحقيق الاستقلال، حيث كان نقطة الانطلاق الأولى لعدد من الحركات الثورية ضد الاستعمارين الاسباني والفرنسي في مختلف بقاع المملكة.
وبعد حصول المغرب على استقلاله حافظ المسيد على دوره التعليمي والديني من تحفيظ للقران ونشر لتعاليم الدين، وفي المقابل تراجعت مهامه السياسية، ليكتفي بالمساهمة في تكوين جيل من العلماء والفقهاء الذين قادوا البلاد فيما بعد.
وكان الملك الراحل الحسن الثاني لا يفوت فرصة التأكيد على الدور المهم الذي يلعبه المسيد الذي بدأ اسمه يتحول إلى “الكتاب” فيما بعد، والجميع يذكر الخطاب الشهير الذي أمر فيه الملك بتعميم التعليم القرآني بالمغرب، وقرر الملك حينها أن يكون التدريس بالكتاب اجباريا لمدة سنتين لكل تلميذ بين 5 سنوات إلى 7 سنوات، حتى يتمكن من الحصول على أسبقية الدخول إلى المدارس الحكومية بغض النظر عن الحالة الاجتماعية للأسرة.
وفي وقتنا الحالي لم يتغير الشكل التقليدي للكتاب ولكن تغيرت مهامه ووظائفه، فأصبح بالإضافة لكونه مكانا لتحفيظ القران مكانا يحتضن دروس محو الأمية للنساء اللواتي لم يتمكن من الاستفادة من حقهم في التعليم.
ورغم أن الكتاب لم يعد يحظى بالإقبال الذي عرفه في وقت سابق، إلا أن دوره لازال مهما وأساسيا، فالتطور السريع الذي يعرفه العالم يزيد بشكل كبير من صعوبة مواكبة المجالات التي أصبحت متغيرتا بشكل مستمر، فالمجالات والقطاعات الأكثر طلبا وأهمية اليوم هي بدون قيمة بعد فترة، فالنظام الرأس مالي ساهم في التسريع من دوران عجلة التطور ما يحول دون اهتمام الأفراد بتطوير مهارات ومعارف موازية، فالأسر اليوم لا تقصر في تعليم أبنائها مختلف اللغات والمهارات المختلفة خاصة المعلوماتية منها، وفي المقابل لا تهتم بتلقين أبنائها المهارات الأخرى التي لا تقل أهمية عن المهارات السالفة الذكر هذا دون اغفال اهمال الأسر تلقين أبنائهم أمور دينهم.
ويمثل المسيد بالإضافة لذلك وسيلة لحماية الأبناء ووقايتهم فالمسيد هو حصن في خدمة القران والدين، حصن يساهم في احياء وترسيخ القيم والأخلاق الحميدة التي تساهم في حماية عقول الشباب والأطفال من كل أدى خارجي ومن كل توجه وتيار شاد أو مريض خاصة بعد الثورة المرعبة التي عرفتها منصات التوصل الاجتماعي، هاته الأخيرة التي حولت العالم لقرية صغيرة تعطي للجميع حرية التعبير والتأثير فيها سواء بأفكار وتوجهات سليمة أو لا. هذا دون الحديث عن اهمال الأسر لأبنائهم في هذا الجانب ما أدى لتراجع الاعتزاز بالثقافة والحضارة الوطنية وتبني ثقافات دخيلة على المجتمع كثقافة “الكيبوب”، أو ثقافة “الميتال” وغيرها الكثير من التوجهات الدخيلة التي انتشرت من داخل المجتمع كانتشار المرض المعدي.
هذا الحديث وهذا الطرح لا يقصد به اهمال المغاربة لدينهم أو التقصير في هذا الجانب، بل على العكس من ذلك فالمغرب يأتي في مقدمة دول العالم على مستوى حفظة القرآن الكريم حسب ما أكده إحصاء رسمي لمنظمة اليونسكو، مع اهتمام الدولة بإنشاء ودعم الكتاتيب ففي إحصاء قامت به وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فإن عدد الكتاتيب القرآنية التابعة للوزارة، هو 11478 كتابا قرآنيا ويدرس بها 32727 متمدرسا من الإناث والذكور من جميع الفئات العمرية.