“الله يفك جرتنا مع جيرانا الجزائر “: جاري و إن جار علي لا أجاريه

playstore

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين.
يعتقد كثير من المغاربة أن معاندة الحكام الجزائرين للمغرب هو وليد اليوم ، ومنهم من يظن ان الرد على الزمرة الحاكمة في الجزائر سيمنح المغرب فقط لصالحه.
ولكن في حقيقة الأمر كل هؤلاء المهرولين للهجوم على الجزائر و تبخيس تاريخها و الطعن في اقتصادها و التباهي بان المغرب احسن منها ،وغيرها من القفاشات التي تغزو فضاءات التواصل الاجتماعي ،
كل هؤلاء منساقون في الإتجاه الخطأ ولو كان وازعهم الإعتقاد بأن ما يقومون به هو دفاع عن حوزة الوطن و رد شافي كافي عن الهجمات الجزائرية المتتالية و الممنهجة.
والحقيقة أن هؤلاء في بداية الأمر و نهايته يخالفون أولي الأمر منهم ، فقد كان صاحب الجلالة ،وأمير المؤمنين قد طلب صراحة وبكل وضوح من شعبه داخل المغرب وخارجه بأن يكف عن الرد على ترهات الحكام الجزائرين ، بل وأكد على أن التاريخ المشترك و العادات والتقاليد بين الشعبين المغربي و الجزائري يجب ان لا تتأثر بالصراعات السياسية ولا بالاطماع الجزائرية في المغرب .
إن عدم الرد على حكام الجزائر فيما يقولون ليس ضعفا ولا هو خوفا ولا عدم مبالاة ، وإنما العاقل من يحسبها بأخلاق الملوك وليس بطباع العسكر !!
ما يهم المغرب ملكا وحكومة وشعبا هو ما يحققه المغرب من منجزات سواء في تنمية البلاد أو في التصدي للمخططات العدائية من أي جهة كانت ، وهذا ولله الحمد فالمغرب يقطع فيه اشواطا جعلت منه دولة محورية في العالم و في قارته و في القارات المجاورة.
وهذا الكلام ليس للتطبيل و التبجيل ،بل هو ما ترصده كل التحاليل وما تبينه كل الافعال و الأقاويل.
إن الجزائر في عنادها تقترب من نهاية عهد حكام جروا الجزائر الى مستنقعات لا يجني منها الشعب سوى الخراب و الهوان ، فكل اموال الغاز و البترول التي كانت توظفها الجزائر لصناعة الكيان الذي حصرت ادواره في الحد من تقدم المغرب و تطوره ، لم يعد لتلك الأموال اي دور يذكر ، فالدول الإفريقية لم تعد تستأنس بالهبات و المساعدات و الانقلابات ،بل بدأت تتجه نحو الاستثمار في خيرات بلادها ،و نسج علاقات دولية في خدمة استقرارها ،وهو ما نجح فيه المغرب بعد عودته إلى الإتحاد الإفريقي ،و هو ما فشلت فيه الجزائر وقلبها قدافي ليبيا عندما نصب نفسه ملكا لإفريقيا .
ملف الصحراء المغربية الذي شكل ولسنوات عائقا أمام تطور البلاد ،و عرض المغرب للإبتزاز من كل الجهات وعلى كل الواجهات ، اصبح اليوم حسب موازن القوى الجديدة مجرد ملف من بقايا الحرب الباردة . وجزء كبير من حساباته من بقايا مخلفات الاستعمار.
إن الورقة الوحيدة التي لازالت الجزائر تحتفظ بها و تختبئ وراءها رغم ما تبديه من خلاف مزعوم معها هي “ماما فرنسا”, و التي لازالت تلعب على الحبلين ، وترى في بقاء الصراع الجزائري/ المغربي , و استمرار مشكل الصحراء، مكاسب تخدم استمرار تحكمها في شمال إفريقيا .
لكن مشكلة الصحراء هي في الاصل مشكل إسباني ،والموقف الجديد لمملكة اسبانيا هو ما يجعل فرنسا تعيد حساباتها في تعاملها مع الملف ، ذلك ان الدول تسارع لتحجز لها مكانا في المشاريع الموعودة في الصحراء ، فيما فرنسا حبيسة حرصها على عدم اغضاب الجزائر .
هكذا يبدو الوضع في مجمله يصب في صالح المملكة المغربية ، و هو ما يعني ان كل المناوشات الجزائرية التي توجتها بقطع العلاقات مع المغرب ،كلها في حقيقة الأمر للإستهلاك الداخلي ،خاصة وان البلاد تعرف هزات اقتصادية و سياسية قد تهدد استقرار البلاد في مرحلة ما بعد التبون و شنقريحة ،لأنهما في حقيقة الأمر لهما بصمتهما التي أصبحت هي الحكم ،و كل من سيأتي بعدهما سيكون مختلفا كليا عنهما وعن حجم العداء للمغرب .
المغرب الذي يرسم استراتيجيته بخطا ثابتة ، والذي تنظر الى العالم وعلاقاته مع مختلف القارات بنظارات القضية الوطنية ، يدرك ان ملف الصحراء سيبقى يبارح مكانه في الأمم المتحدة مادام رهين مصالح دولية بين الدول العظمى ، لكن في المقابل فإن الحكمة تقتضي أن يواصل المغرب برامجه التنموية بالاقاليم الجنوبية ، وان يفتح الباب للاستثمارات الأجنبية من الدول الصديقة و الشقيقة ، و ان يراهن على أن أي حل سيأتي لن يتعارض مع ما يتحقق الآن من تنمية بالصحراء .
على العكس من الجانب الجزائري ،الذي يصر على إبقاء مخيمات الحمادات على حالها ،لأنه في حقيقة الأمر لا يطمع حتى في تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية كما يزعم ، ولو كانت ستكون تحت إمرته و من صنعه ، فهو كل ما يريده هو ان يستمر المشكل و يعرف تصعيدا بين الفينة و الأخرى و يكون تلك الحصى التي توجد في حداء المغرب تؤلمه وتعرقل سير خطواته .
المغرب بتبصر صاحب الجلالة الملك محمد السادس يدرك ان ما كانت تراهن عليه الجزائر من طرف دول سنوات الحرب الباردة و قوى التحرر العالمية و صراع الاتحاد السوفياتي وأمريكا وشعارات الانقلابات العسكرية بالدبابات و الجنرالات ،جلها اصبح في حكم الماضي ، وان الدول اليوم تحتاج الى الامن الغذائي ،و الى المؤسسات المالية ،والى الإتصالات و تكوين العنصر البشري و الشراكات المثمرة على قاعدة :رابح/رابح .
كل هذا يقدمه المغرب باشكال وطرق مختلفة مدعوما من الاشقاء بالخليج الذين يعوضون بترول وغاز الجزائر ، و مسنودا من قوى عالمية ترى في المغرب انه يفتح ابواب إفريقيا امام العالم و يساعد المنتظم الدولي في قيادة دول إفريقيا و شعوبها للإنعتاق والتحرر و الالتحاق بركب التنمية العالمية .
في المحصلة ، لا صوت يعلو عن صوت الحكمة ، ومن الحكمة تجاهل إعلام الكابرانات ،ومن الحكمة طاعة امر ملك البلاد وهو يدعو لعدم الدخول في مناوشات مع الجارة الجائرة ، ولا التهجم على شعبها الذي يستحق منا كل التعاطف و ندعو الله ان يرفع عنه الغمة و ينال ما يستحق من حكم رشيد و بحبوحة عيش من خيرات البلاد التي تصرف على قضايا خاسرة .
لا تكترثوا لما يصدر من حكام الجزائر ،و لا تكثروا الكلام في هذا الموضوع ، ركزوا اهتمامكم على ما يخدم بلادكم وقارتكم ويعزز مكانة وطنكم بين الاوطان ،و ارفعوا دوما مع الشعوب شعار الإخوان والخلان ،و اتركوا مناوشات الحكام للحكام فيما بينهم .
فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

playstore
زر الذهاب إلى الأعلى