بقلم سمير السباعي
يشكل الاحتفاء بأعلام مسرحية مغربية ساهمت و لا تزال منذ عقود طويلة في تشكيل الفعل المسرحي مغربيا و عربيا لحظة ليس فقط للاعتراف بما قدمه هذا العلم المسرحي أو ذاك، من منجزات فنية داخل مشهدنا الثقافي الوطني و العالمي، و إنما أيضا مساحة مهمة لرصد تفاعل هذه الأسماء المحتفى بها مع ما تطرحه الساحة المسرحية اليوم من نقاش سواء على المستوى الفكري المتعلق بماهية الإبداع المسرحي المنشود، أو على مستوى مناقشة حضور الفرجة المسرحية الجماهيرية في المجتمع المغربي. خصوصا إذا تعلق الأمر بسياق حدث ثقافي دولي يحاول منذ عقود بالدار البيضاء أن يراهن على الجامعة المغربية كفضاء تربوي تعليمي قادر على إنتاج واحتضان الفن المسرحي تنظيرا و ممارسة وفرجة، عبر لحظة ثقافية دولية يلتقي فيها المسرح الجامعي ببلادنا مع ثقافات أخرى كونية.
ضمن هذا السياق أعلنت الدار البيضاء يومه مساء يوم الاثنين 01 يوليوز 2024 بالمركب الثقافي مولاي رشيد بنفس المدينة عن الافتتاح الرسمي للدورة 36 من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي الممتد إلى نهاية هذا الأسبوع، و التي اختار هذه السنة “المسرح والجنون” تيمة لهذه الدورة والمنظمة تحت رعاية ملكية سامية من طرف كلية الآداب و العلوم الإنسانية ابن مسيك – جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء بشراكة مع عدد من المؤسسات العمومية والخاصة. صحيح و بشكل عام أن الكلمات الافتتاحية التي شارك بها بعض أعضاء اللجنة التنظيمية لهذا الحفل الفني إلى جانب عدد من الشركاء العموميين التعبير قد حاولت عن أهمية عقد هذا الحدث المسرحي، كمحطة ثقافية تسعى منذ عقود من الزمن إلى جعل المؤسسة الجامعية ببلادنا ترسم معالم ممارسة مسرحية تضمن عبر فعل مؤسساتي منظم و تشاركي مع باقي الفاعلين بالدار البيضاء إنتاج قيم الجمال والفن و التلاقح الثقافي مع الشعوب عبر بوابة الفن المسرحي. إلا أن لحظة الاحتفاء بعدد من الأسماء المسرحية والإعلامية المغربية تبقى مساحة مهمة عرفها حفل افتتاح هذا المهرجان، حيث تم تكريم كل من الفنانين المسرحيين عبد الحق الزروالي و عز العرب الكغاط إلى جانب الإعلامية و رئيسة التحرير بالقناة الثانية فضيلة أنور كاعتراف بمسارات ثقافية اختار أصحابها على مدى سنوات من الزمن حقل المسرح والإعلام، كفضاءات للابداع والإنجاز عبر أجناس و مسارات متباينة القاسم المشترك فيها هو زخم التجربة و عمقها الثقافي.
وقد بدى أن مساحات التدخل التي اضطلع بها المسرحي المغربي عبد الحق الزروالي سواء في كلمة له بالمناسبة فوق الخشبة أثناء لحظة التكريم أو من خلال ما أدلى به من أحاديث إعلامية مفتوحة على هامش الحدث، قد شكلت لحظة حاول من خلالها الزروالي رصد و مقاربة عدد من المواضيع ذات الصلة بالموضوع المسرحي اليوم ببلادنا في تناغم مع شعار “الجنون” المرفوع خلال هذه الدورة من هذا العرس الفني، حيث أكد المتحدث في هذا الإطار أن المسرح في حد ذاته لحظة إبداع مجنونة عاقلة تجعل من العرض المسرحي مساحة لتلاقي كل المعارف والعلوم و الحرف بما يسمح بمسرحة أغلب أنواع الخطاب السائدة في المجتمع سواء كانت ذات حمولة سياسية أو دينية أو غيرها. معتبرا في نفس الآن أن لحظة تكريمه خلال هذا المهرجان هو وفاء لتجربة مسرحية سبق لها أن شاركت في البدايات الأولى لتشكيل هذا الاحتفاء المسرحي الجامعي بالدار البيضاء، على اعتبار أن الدورة الأولى خلال نهاية ثمانينات القرن الماضي قد عرفت عرض مسرحية برج النور للمحتفى به عبد الحق الزروالي، ما يشير إلى أن المنجز المسرحي لهذا الأخير قد كان مساهما بشكل أو بآخر في إعطاء زخم لانطلاقة هذا الحدث الثقافي منذ بدايته. و في علاقة بالشعار المرفوع خلال هذه الدورة اعتبر عبد الحق الزروالي أن الجنون على المستوى الابستمولوجي إن شئنا القول، هو حالة معرفية يختار معانقتها بعض من الناس الذين نجحوا في تجاوز منطق “ما هو متفق عليه ” أو السائد في المجتمع بشكل يجعل من غير الممكن الحديث عن اندماجهم مجددا في البيئات الاجتماعية الذين ينتمون إليها و الخاضعة لإكراهات و قيود السلط القائمة سواء كانت سياسية أو دينية أو حتى اقتصادية. ليتشكل بذلك حسب ما يستشف من كلام الزروالي سياق محفز على الإبداع الفني المطبوع بالفوضى المعقلنة و الجنون المعقلن، المعبر في عمقه عن حق إنساني في التعبير عن الرأي و تبني مواقف خاصة اتجاه أنواع من الخطابات العمومية السائدة كيف ما كان نوعها حسب إفادة الزروالي. لتطهر حسب هذا الأخير شخوص أمثال المجذوب والبوهالي كرموز شاهدة على أحكام القيمة الجاهزة التي يستطيع اللجام السياسي والديني و الاقتصادي المضروب تاريخيا على المجتمع المغربي إطلاقها على الشخوص الراغبة في مساحات من الحرية خاصة على مستوى التفكير حسب تعبير نفس المتكلم. صحيح أن عبد الحق الزروالي عمل على هامش هذه الأحاديث الصحفية المفتوحة أن يثمن عقد هذا المهرجان المسرحي، إلا أنه شدد بالمناسبة على أهمية تحقيق ما يمكن أن نسميه إنعاش الفرجة المسرحية في بعدها الجماهيري، من خلال جعل الفن المسرحي لحظة ثقافية يعانقها المجتمع باستمرار في أفق تحقق فرجة مسرحية تمنح لشعورنا الجمعي استحقاق الانتماء لهذا الزمن الذي نعيش فيه.
معتبرا في نفس الآن أن المنظومة التعليمية والجامعية تظل المدخل الأساسي، الذي يمكن من خلاله إن صح التعبير تأصيل ثقافة المسرح و جعلها عاملا مهما في تنمية الفكر و القيمة الإنسانية للمجتمع ككل خاصةوسط الشباب و الناشئة. و في حديثه عن أفاق تثمين تجربة المسرح الفردي اعتبر عبد الحق الزروالي أن تجربته المسرحية التاريخية في هذا الباب لاتزال مستمرة فقط يتطلب الأمر اهتمام أكثر من طرف معهد الفن المسرحي و التنشيط الثقافي و المسرح الوطني بالرباط إلى جانب باقي مؤسسات التكوين في المسرح ببلادن،ا من أجل تاهيل وتكوين شباب و شابات قادرين على حمل مشعل التجربة و ضمان استمرارها لاحقا.