حسم قضية الصحراء المغربية من الصراع إلى الخيار التنموي الشامل
د.عبداللطيف سعيد الله
منشور في العدد الخاص بعيد العرش المجيد من جريدة الورقية الخبرية للتحميل اظغط هنا :
مقدمة
يعد تاريخ المغرب كتاريخ أية أمة عريقة مفعم بالأمجاد والنكبات، ولكن ما يميزه عن غيره من الأمم هو دفاعه المستميت خلال مسيرته التاريخية الطويلة عن استقلاله ووحدته، فقبل الحماية لم يخضع لاستعمار يهم جميع أراضيه حتى في مراحل ضعفه، فالرومان لم يستطيعوا أن يتعمقوا في أعماقه رغم قوتهم، وحينما جاء الإسلام تقبلوه واعتنقوه وثاروا على الأمويين باسمه، حينما تبين لهم أن ولاتهم لا يطبقون مبدأ المساواة بين المسلمين، ومكنوا المولى إدريس من الحكم مؤسسين بذلك أول دولة إسلامية مغربية مستقلة عن الخلافة العباسية، ومنذ ذلك التاريخ توالت على حكم المغرب أسر حاكمة مغربية كان همها هو الدفاع عن وحدة المغرب واستقلاله، وفي هذا الإطار تميز عن باقي الدول العربية بعدم خضوعه لحكم العثمانيين، كما تميز عن كثير من دول العالم الثالث بقيام دولته قبل الاستعمار.
لقد بقي المغرب نظريا في فترة الحماية دولة إسلامية ذات سيادة، والملك هو عنوان هذه السيادة، إلا أن تعسف دولة الحماية وتطلع المغاربة إلى الحرية والاستقلال، أسفر عن نشوء الحركة الوطنية التي تبنت المطالبة باستقلال المغرب بالوسائل السياسية إلى جانب المقاومة المسلحة، كان من نتائجه استقلال المغرب واسترجاع سيادته والشروع في بناء مؤسساته الديمقراطية، لكن ليس على كل ترابه الذي كان يسود عليه قبل الاستعمار. فإذا كانت فرنسا قد خرجت من المجال المغربي الذي كانت تسيطر عليه بدون عراقيل، فإن الأمر لم يكن على نفس المنوال مع إسبانيا، حيث إن استرجاع المناطق التي كانت تسيطر عليها هذه الأخيرة تم عبر مراحل عدة، دامت مدتها 20 سنة.
سوف يتم تناول الموضوع من زاويتين الأولى تتعلق بتطور التاريخي للصراع حول مغربية الصحراء والثانية يتم فيه التركيز على الجانب التنموي للأقاليم الجنوبية من خلال المقترح المغربي للحكم الذاتي .
أولا: كرونولوجيا الصراع حول الصحراء المغربية
في هذا السياق، اتسمت مطالب المغرب بأراضيه التي ظلت مستعمرة من قبل إسبانيا في جميع مراحلها، بإتباع طرق التسوية السلمية واحترام الشرعية الدولية، مستندا في ذلك إلى حقوقه التاريخية والقانونية، وفي هذا الصدد أثار قضية صحرائه أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة سنة1961، ونجح في استصدار عدد من القرارات الدولية التي طالبت الحكومة الإسبانية بالدخول في مفاوضات لمعالجة مشكل الصحراء المغربية، إلا أن هذه المبادرات لم تسفر عن إيجاد ظروف ملائمة لخلق حوار دبلوماسي بناء يساعد على بلورة حل سلمي للقضية.
في صيف 1974، وصل النزاع حول الصحراء الطريق المسدود نتيجة تحدي إسبانيا وتجاهلها لقواعد القانون الدولي، حين أعلنت بشكل انفرادي عن قرب تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء، ورد المغرب بإعلان تعبئة لاسترجاع أراضيه المحتلة، وقرر عرض المشكلة على أنظار محكمة العدل الدولية، لتعطي رأيا استشاريا في أكتوبر 1975 تقر بوجود علاقات تاريخية للبيعة بين قبائل الساقية الحمراء ووادي الذهب وملوك المغرب، بمعنى أن “الصحراء الغربية” لم تكن أرضا بدون مالك، وبالتالي وجود سيادة إقليمية على هذه الأرض في وقت الاحتلال الإسباني.[1]
كانت هذه الفتوى كافية لإثبات حقوق المغرب القانونية والسياسية والتاريخية على صحرائه، مما يخوله حق المطالبة في استرجاعها بجميع الطرق والوسائل التي يراها مناسبة، فكان قرار تنظيم المسيرة الخضراء، لتجسد وتثبت وحدة المغرب الترابية وحتى تضامن وتناسق مجموعته البشرية باعتباره دولة قائمة منذ قرون، ذلك أن إقليم الصحراء هو من الناحية الطبيعية والجغرافية امتداد طبيعي للمغرب من حيث التضاريس.[2]
تلاها إبرام اتفاقية مدريد الثلاثية التي وضعت حدا للاستعمار الإسباني في الصحراء، وشكلت استجابة لقرارات مجلس الأمن الدولي التي كانت تدعو الأطراف إلى اللجوء للمفاوضات طبقا للمادة 33 من الميثاق.
غير أن الصراع سيتطور في منتصف سبعينات القرن الماضي بعد ظهور جبهة البوليساريو تساندها الجزائر وليبيا وبلدان أخرى، ويتعلق الأمر بجبهة اتخذت من التراب الجزائري ( منطقة تندوف) مقرا لها، ومن مطالبها خلق دولة صحراوية في جنوب المغرب. وإذا كانت القوى العظمى قد ساهمت بشكل كبير في خلق هذا التوتر الذي ساهم في إنعاش تجارة السلاح وتنامي ظاهرة الإرهاب، وتصريف هذه القوى لمنتجاتها الصناعية والتكنولوجية والغذائية في اتجاه الأطراف المتنازعة، فإن هذه الحرب تسببت بشكل كبير في تدمير اقتصاد البلدين المتجاورين وإنهاك ماليتهما بالديون وإدخال شعبيهما في وضعية متأزمة، كما تسببت في عسكرة منطقة الغرب العربي والتهديد بقيام حرب شاملة.[3]
واقتناعا بمشروعية حقوقه في الصحراء واستجابة لتوصية العديد من الرؤساء الأفارقة أعلن المغرب سنة 1981 عن قبوله مبدأ الاستفتاء في الأقاليم الجنوبية، ساعيا من خلال ذلك الحصول على اعتراف دولي يوفر تسوية نهائية لقضية صحرائه، وقد حظيت المبادرة المغربية بترحاب دولي. إلا أن ما حدث في أديس أبابا سنة 1982 زاد من تعميق المشكل حيث انحازت مجموعة من الدول الإفريقية أعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية إلى جبهة البوليساريو واعترفت ” بالجمهورية الصحراوية الديمقراطية R.A.S.D))، مما جعل المغرب ينسحب من هذه الإفريقية سنة 1984، بالرغم من أنه كان من الدول المؤسسة لها في أديس أبابا سنة 1963.
لينتقل الملف إلى أروقة منظمة الأمم المتحدة التي اقترحت خطة للاستمرار في مسلسل الاستفتاء، وهي الخطة التي قبل بها المغرب متوخيا من ذلك التعبير عن ثقته بالشرعية الدولية والقرارات الأممية، لكن لما تبين لما تبين استحالة إجراء هذا الاستفتاء، بفعل العراقيل التي واجهها من طرف خصوم الوحدة الترابية أثناء تحديد فئة المواطنين الذين يحق لهم التصويت في هذا الاستفتاء، عملت المملكة المغربية على تجاوز هذا الوضع، والبحث عن حلول أكثر واقعية ونجاعة. في المقابل رفض المغرب قطعيا، مقترح الجزائر، والقاضي بتقسيم الأراضي الصحراوية.
عقب ذلك، صدر قرار أممي سنة 2000 نص على أهمية اللجوء إلى الحل السياسي بوصفه أحد الخيارات التي قد تلقى موافقة الأطراف المعنية، وتتجاوز المشاكل التي لاقتها عملية تحديد الهوية. وفي هذا السياق تقدمت الأمم المتحدة بخطة “الحل الثالث” أو الاتفاق/ الإطار الذي ينص على أن تمنح الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا مع البقاء تحت الحكم المغربي في غضون خمس سنوات يمكن بعدها إجراء الاستفتاء، وقد قبل المغرب المشروع مع بعض التحفظات – كما اعتبر مخطط بيكر الثاني[4] غير مناسب لحل النزاع، ليس لأنه يتضمن مجموعة من الثغرات فحسب، ولكن لأنه لا يضمن حلا نهائيا للنزاع- في حين رفضته جبهة البوليساريو.
على أن فشل مخططات التسوية الأممية لم ينل من عزيمة المغرب في إيجاد تسوية سياسية للنزاع الإقليمي مقبولة من طرف الجميع وقابلة للاستمرار؛ ويندرج المشروع المتعلق بالحكم الذاتي، في ظل احترام السيادة والوحدة الوطنية، ضمن سعي المغرب إلى إيجاد حل سياسي توافقي يلبي ما أمكن مطالب الجانبين ولا يفضي إلى غالب ومغلوب.
ثانيا: الحكم الذاتي الخيار التنموي الشامل الدبلوماسية الاقتصادية
أمام هذا الصراع الذي عمر طويلا فضل المغرب تحت الرعاية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس التركيز على الجانب التنموي والاشتغال على أرض الواقع من خلال المبادرة المغربية للحكم الذاتي كآلية كفيلة بحسم النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، واللجوء إلى الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية، للبرهنة على أن الأقاليم الجنوبية هي جزء لا يتجزأ من المملكة المغربية.
ويتطلب تحقيق الحل السياسي لمشكلة الصحراء الانتقال من منطق التدبير المركزي إلى تدبير لامركزي ولامتمركز يقوم على استقلالية القرار وتدبير المشاريع التنموية على المستوى الترابي، ويضمن انخراط مختلف الفاعلين الترابيين في مسلسل التنمية الشاملة، إضافة إلى تعزيز الإحساس الهوياتي بالانتماء إلى جهة معينة في إطار الوحدة الوطنية.[5]
تعتبر مبادرة الحكم الذاتي بمثابة اعتراف بأهمية الأقاليم الجنوبية كمجالات ترابية متفردة، سواء على المستوى البشري أو الجغرافي أو الاقتصادي أو التاريخي، وهي بهذا التوصيف ليست غاية في حد ذاتها، فهي أولا وسيلة لإثبات احترام الشرعية الدولية وهي ثانيا آلية لإقرار وتعزيز الممارسة الديمقراطية، وثالثا هي ضمانة لتكريس حماية حقوق وحريات المواطنين المغاربة في الأقاليم الجنوبية.[6]
وفي هذا الصدد، وضعت الأقاليم الجنوبية في صدارة الجهوية المتقدمة كما أنها حظيت بأهمية كبيرة ضمن جهات المملكة بالرغم من أن هذا الورش يهم جميع جهات المملكة، وقد ظهر هذا الاهتمام بشكل واضح في خطاب الملك حينما قال” يظل في صلب أهدافنا الأساسية، جعل أقاليمنا الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة فالمغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين أمام عرقلة خصوم وحدتنا الترابية للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي للنزاع المفتعل حولها على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي الخاصة بالصحراء المغربية. وإذ نؤكد أن هذه المبادرة ذات المصداقية الأممية، تظل مطروحة للتفاوض الجاد لبلوغ التسوية الواقعية والنهائية، فإننا سنمضي قدما في تجسيد عزمنا القوي على تمكين أبناء وسكان صحرائنا الأوفياء، من التدبير الواسع لشؤونهم المحلية، وذلك ضمن جهوية متقدمة، سنتولى تفعيلها بإرادة سيادية وطنية”.[7]
كما شكل خطاب الملك محمد السادس في السابع من نونبر 2012 بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، انطلاقة تنزيل ورش تنموي جديد يتميز بطابع مندمج ومستدام بالأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية، كما اعتبر هذا المشروع بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بمثابة رؤية إصلاحية شاملة تستند على مقومات الذكاء الترابي للمجال كأسلوب ومنهج يهدف إلى جعل الجهات الجنوبية قادرة على جلب الاستثمارات وتوجيهها بفعالية نحو تحقيق الإقلاع الاقتصادي وتحقيق التنمية الاجتماعية.
يرمي هذا المنحى الاستراتيجي إلى جعل أقاليمنا الجنوبية فضاء جيو-استراتيجيا مرجعيا، حاملا للاستقرار والازدهار لمجموع المنطقة الأور-إفريقية. ذلك أن إطلاق النموذج التنموي الشامل بالجهات الصحراوية للمملكة، يكون ” دعامة لترسيخ دمجها، بصفة نهائية في الوطن الواحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي وحلقة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي”[8] .
فمن حيث المؤهلات[9]، تزخر جهات الصحراء بثروات سمكية وبحرية هائلة جعلها تشكل 80°/° من اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، في جانب آخر يرتكز النموذج التنموي الذي يخص الأقاليم الجنوبية والذي جاء انسجاما مع الرؤية الملكية الرامية لجعل هذه الجهات قطبا تنافسيا بارزا على الصعيدين الدولي والوطني وحلقة الوصل بين المغرب وأوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء، على ثمانية برامج تهم تقوية محركات التنمية و مصاحبة القطاع الإنتاجي وإدماج المقاولات في النسيج الاقتصادي وتهم هذه البرامج أيضا التأهيل البشري وتثمين الثقافة الحسانية باعتبارها عنصرا للتماسك الاجتماعي ورافعة للتنمية، والتدبير المستدام للموارد الطبيعية وحماية البيئة وتقوية صلاحيات المنتخبين الجهويين وخلق آليات مبتكرة للتمويل. وبذلك أضحت الجهات الصحراوية وجهة للمستثمرين الأجانب وبالخصوص جهة الداخلة وادي الذهب.
شجع على ذلك، الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء البريطاني والفرنسي، إذ كرس القضاء الإداري ممثلا في المحكمة الإداري بلندن سيادة المملكة على جميع مناطقها الترابية، من خلال رفض الدعوى الرامية إلى إبطال الاتفاقيات التجارية الموقعة بين الرباط ولندن سنة 2019 ودخلت حيز التنفيذ في يناير 2021 بعد البريكست مستندة في ذلك- المحكمة الإدارية بلندن- إلى الفصل 11 من الميثاق خاصة الماديتين 73و74 منه، وبذلك تؤكد المحكمة شرعية الاتفاقيات التي يبرمها المغرب وأن الأقاليم الجنوبية الصحراوية معنية بها باعتبارها منتمية إلى التراب الوطني المغربي.
ويأتي قرار الاستئناف، بعد قرار آخر في دجنبر 2022، من المحكمة العليا البريطانية التي رفضت دعوى منظمة [10]“WSCUK” ضد اتفاقية الشراكة بين المغرب والمملكة المتحدة.
إذن، وضع هذا الحكم وغيره من الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء الأوروبي خاصة حكم المحكمة التجارية لتاراسكون الفرنسية، الذي انتصر بدوره للاتفاق المبرم بين المغرب والاتحاد الأوروبي في المجال الفلاحي، حدا للنقاش القانوني والقضائي حول شرعية الاتفاقيات المغربية الأوربية، وبذلك يكون القضاء الأوروبي قد أحبط مساعي جبهة البوليساريو ومن يقف ورائها في خلخلة موازين الاتفاقيات الاقتصادية المغربية مع مختلف شركائه.
يضاف هذا إلى ما تحقق في السابق على مستوى البرلمان الأوروبي بمناسبة موقفه السلبي من اتفاق الشراكة سنة 2011، الذي اعتبر اتفاقية الصيد البحري غير مشروعة مع المغرب، لكن لابد من ذر الرأي القانوني الصادر عن الشعبة القانونية للبرلمان الأوروبي في 13 يوليوز 2009، والتي أحيلت عليها من رئيس لجنة التنمية بناء على إعلان قدمته جبهة البوليساريو يطالب فيه باستثناء المنطقة الاقتصادية الخالصة للصحراء الغربية من اتفاق الصيد البحري، بحجة خضوع المنطقة لولاية الجبهة، فكان الرد بأن إعلان الجمهورية الوهمية ليس له أي أساس قانوني ولا يمكن ان يكون له آثار على اتفاق الصيد البحري مع المغرب لأسباب التالية:
- أولا أن الجمهورية الصحراوية الوهمية لا تتمتع بمقومات الدولة؛
- ثانيا لم توقع على اتفاقية قانون البحار لعام 1982 ولا تستطيع أن توقع عليها؛
- ثالثا إن الإقليم لا يخضع لسيطرتها فهو مسجل باعتباره إقليما غير متمتع بالحكم الذاتي لدى الأمم المتحدة، أي أن الدولة المديرة بحكم الواقع هي التي لها الحق في السيطرة على الإقليم إلى حين التسوية النهائية.[11]
بناء على ما تقدم، يمكن القول إن الإصلاحات المؤسساتية التي أعلن عنها الملك محمد السادس لقيت استحسان الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت بسيادة المغربية على مجموع ترابه الوطني وحسمت من موقفها من النزاع الطويل، بالإضافة إلى استحسان الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مؤكدين بذلك عمق وشمولية الإصلاحات في المغرب، وإن هذا ليتطلب من المسؤولين المغاربة استثمار هذا التحول الداخلي لرسم معالم سياسة خارجية واضحة تكون فاعلة ومؤثرة قصد تمكين المغرب من جلب استثمارات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فبعد تأكيد الاتحاد الأوروبي دعمه للمغرب وما قام به من إصلاحات ديمقراطية، ومهما كانت الإصلاحات السياسية مبهرة وممتازة، فنجاحها رهين بنجاح الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تستلزم تمويلا ودعما دوليا حتى يتمكن المغرب من الاستمرار في تفعيل سياسة الأوراش الكبرى.
يبذل المغرب مجهودات جبارة في تنمية الأقاليم الجنوبية ليس من منطلق أنها أقاليم غير متمتعة بالحكم الذاتي وإنما من منطلق أن الأقاليم الجنوبية من المملكة بحاجة ماسة إلى تنمية حقيقية، بعد أن تعرضت أراضيها للنهب وسكانها للظلم من قبل القوات الاستعمارية الإسبانية، فالحكم الذاتي المقترح من قبل المغرب فتح المجال لإيجاد حل دائم لمشكل دام لسنين، كما أنه قدم العديد من الإيجابيات لفائدة ساكنة الصحراء المغربية تتقاطع بشكل كبير مع مشروع التنمية الذي يعتزم المغرب إنشاءه.
خاتمة
علي سبيل الختم، تمكن المغرب بفضل حكمة جلالة الملك من أن يكون البلد الرائد في مجال التنمية بالقارة الإفريقية والأكثر تكاملا في مجال الاقتصاد الكلي، بحيث يمكن اعتبار هذا النموذج من التعاون والشراكة بالذكاء الاقتصادي والاستراتيجي الذي يدمج البعد الجغرافي والترابي لإرساء شبكة من الدول الإفريقية قوية ومتعاونة كما استطاع أن يحظى بثقة العديد من الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية، كما أن نهج مرجعية جديدة للتنمية بالمغرب تقضي إلى إحداث توجه تنظيمي يكرس التفاعل والتكامل في ذات الوقت بين دولة مؤسساتية مستثمرة، ومجتمع حيوي، تعد حصنا قويا من الآثار الآتية للأزمات والجوائح أو تداعياتها المستقبلية.
إن هذا المسار الطويل للأمة المغربية، والذي بوأ المغرب مكانة بين الدول العريقة، ما كان له أن يستمر ويحقق إنجازات تاريخية كبرى لولا ذلك التلاحم الوطيد بين مكونات الشعب المغربي، حكاما ومحكومين، تلاحم قاعدته وطن واضح المعالم له مكانه على خريطة العالم منذ قرون وقرون، وأساسه مواطنة متجذرة في أعماق المغاربة منحتهم القدرة على مواجهة التحديات وتحقيق سلسلة من النجاحات.
[1] المختار المطيع: قضايا دولية وأزمات في عالمنا المعاصر، بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 1997، ص 68.
[2] رشيد المرزكيوي: استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء المغربية والنموذج التنموي الجديد، مؤلف جماعي تحت عنوان ” النموذج التنموي الجديد: أي مدخلات لأي مخرجات” دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، سلسلة الدراسات السياسية والدستورية، العدد 4 2021 ص 84.
[3] أحمد مهابة: مشكلة الصحراء الغربية والطريق المسدود، مجلة السياسة الدولية، العدد 126، أكتوبر 1996، ص 143.
[4] بعد فشل الحل السياسي لعدم توافق الأطراف حوله، قام المبعوث الأممي بجولة لمنطقة المغرب العربي من 14 إلى 17 يناير –كانون ثاني- 2003 وعرض على الأطراف المعنية مخططا جديدا سمي” بخطة السلام من أجل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية” التي تقتضي بأن تظل الصحراء جزء من سيادة المغرب وتتمتع بحكم شبه ذاتي لفترة انتقالية بين 4 و5 سنوات ثم يخبر سكان الإقليم بعد ذلك في استفتاء بين الاستقلال أو استمرار الحكم الذاتي أو الاندماج مع المغرب.
[5] رشيد ملوكي: التقطيع الجهوي ومسلسل التشكل الترابي بالمغرب، مكتبة الرشاد، سطات ، 2017، ص 3.
[6] نفس المرجع، ص 212.
[7] خطاب الملك محمد السادس بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية بتاريخ 3 يناير 2010.
[8] الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء عام 2015 بمدينة العيون المغربية.
[9] يشكل موضوع استغلال المغرب لثروات صحرائه إحدى المواضيع المثيرة للجدل على المستوى الدولي من الناحية القانونية والسياسية، من جهة تتهم جبهة البوليساريو والجزائر وبعض الجهات الأخرى، المغرب بسرقة خيرات “الشعب الصحراوي” بشكل يخالف قواعد القانون الدولي، ومن جهة ثانية لا ينكر المغرب استكشاف واستغلال جزء من ثروات الصحراء وأبرم في سبيل ذلك مجموعة من العقود مع الشركات الغربية، كما أبرم اتفاقا للصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي يشمل المياه المحاذية للصحراء، لكن المغرب يعتبر الصحراء جزء من التراب الوطني وله الحق المطلق في استغلال موارده وخيراته، بالإضافة إلى أنه ملتزم بالوفاء بالالتزامات الدولية خاصة تلك المنصوص عليها في الفصل 11 من الميثاق.انظر رشيد المرزكيوي: استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء المغربية والنموذج التنموي الجديد، مرجع سابق، ص 63 .
[10] WESTERN SAHARA CAMPAIGN.UK
[11] رشيد المرزكيوي: استغلال الموارد الطبيعية في الصحراء المغربية والنموذج التنموي الجديد، مرجع سابق، ص 75.